فقدر، وما قدروا، القدر، نقدر

11848 - فقدر، وما قدروا، القدر، نقدر

16-03-2022 338 مشاهدة
 السؤال :
مَا تَفْسِيرُ هَذِهِ الآيَاتِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾ ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 11848
 2022-03-16

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَوْلُهُ تعالى في سُورَةِ الفَجْرِ: ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾. يَعْنِي إِذَا امْتَحَنَ اللهُ تعالى عَبْدَهُ بِالفَقْرِ وَاخْتَبَرَهُ ﴿فَقَدَرَ﴾ أَيْ: ضَيَّقَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، فَيَقُولُ هَذَا العَبْدُ عَلَى سَبِيلِ التَّضَجُّرِ وَالتَّأَفُّفِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ تعالى: ﴿رَبِّي أَهَانَنِ﴾. أَيْ: رَبِّ أَذَلَّنِي بِالفَقْرِ، وَأَنْزَلَ بِيَ الهَوَانَ وَالشُّرُورَ؛ فَجَاءَ الرَّدُّ مِنَ اللهِ تعالى ﴿كَلَّا﴾ وَهَذَا الرَّدُّ عَلَى الفَرِيقَيِنِ، الأَوَّلِ الذي قَالَ: ﴿رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾ وَالثَّانِي الذي قَالَ: ﴿رَبِّي أَهَانَنِ﴾. فَقَوْلُ الفَرِيقَيْنِ مَذْمُومٌ، وَيَدُلُّ عَلَى سُوءِ الفِكْرِ، وَقُصُورِ النَّظَرِ، وَانْطِمَاسِ البَصِيرَةِ، لِأَنَّهُ في حَالَةِ العَطَاءِ وَالسَّعَةِ في الرِّزْقِ يَتَفَاخَرُ وَيَتَبَاهَى، وَيَتَوَهَّمُ أَنَّهُ جَدِيرٌ وَحَقِيقٌ بِهَذِهِ النِّعَمِ، وَكَأَنَّهُ يَقُولُ مَا قَالَهُ قَارُونُ: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾. وَلَا يَخْطُرُ في بَالِهِ أَنَّ نِعَمَ اللهِ تعالى عَلَيْهِ اخْتِبَارٌ لَهُ، أَيَشْكُرُ أَمْ يَكْفُرُ؟

وَأَمَّا في حَالَةِ المَنْعِ وَالتَّضْيِيقِ فَلَيْسَ مِنَ الإِهَانَةِ في شَيْءٍ، بَلْ هُوَ للامْتِحَانِ وَالاخْتِبَارِ أَيْضًا، أَيَصْبِرُ أَمْ يَضْجَرُ؟ كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾. هَذَا أوَّلًا.

ثَانِيًا: قَوْلُهُ تعالى في سُورَةِ الزُّمَرِ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾. بَيَانٌ لِحَالِ المُشْرِكِينَ، الذينَ أَشْرَكُوا مَعَ اللهِ تعالى، وَتَجَاوَزُوا حُدُودَهُمْ، وَلَمْ يُعْطُوهُ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ تَنْزِيهٍ وَتَقْدِيسٍ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ يَعْنِي: مَا عَرَفُوا للهِ تعالى قَدْرَهُ؛ كَمَا يَقُولُ أَحَدُنَا: قَدَرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ.

وَالحَقِيقَةُ: لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ قَدْرَ اللهِ تعالى عَلَى الحَقِيقَةِ، لِأَنَّ كَمَالَاتِهِ لَا تَتَنَاهَى وَلَا تُدْرَكُ إِدْرَاكًا تَامًّا.

ثَالِثًا: قَوْلُهُ تعالى في سُورَةِ الأَنْبِيَاءِ: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾. هَذَا في حَقِّ سَيِّدِنَا يُونُسَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا فَارَقَ قَوْمَهُ غَاضِبًا عَلَيْهِمْ بِدُونِ إِذْنٍ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لِأَنَّهُمْ مَا اسْتَجَابُوا لِدَعْوَتِهِ، فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ لِمَقَامِ نُبُوَّتِهِ، وَمَعَاذَ اللهِ تعالى أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ بَابِ ظَنِّهِ بِعَدَمِ قُدْرَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ وَسَيْطَرَتِهِ عَلَيْهِ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الظَّنِّ أَنَّ اللهَ تعالى لَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِ لِمَقَامِهِ عِنْدَ اللهِ تعالى.

رَابِعًا: قَوْلُهُ تعالى في سُورَةِ القَدْرِ: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾. الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾ يَعُودُ إلى القُرْآنِ الكَرِيمِ، وَاسْتَغْنَى عَنِ التَّصْرِيحِ بِهِ لِحُضُورِ مَعْنَاهُ في أَذْهَانِ المُسْلِمِينَ، وَالمُرَادُ بِإِنْزَالِهِ هُوَ إِنْزَالُهُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ المَحْفُوظِ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مُنَجَّمًا ـ مُفَرَّقًا ـ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَالقَدْرُ الذي أُضِيفَتْ إِلَيْهِ اللَّيْلَةُ ﴿فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾. بِمَعْنَى الشَّرَفِ وَالعَظَمَةِ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: لِفُلَانٍ قَدْرٌ عِنْدَ فُلَانٍ، أَيْ: لَهُ مَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ، وَشَرَفٌ عَظِيمٌ، فَسُمِّيَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ لَيْلَةَ القَدْرِ، لِعِظَمِ شَرَفِهَا وَقَدْرِهَا عِنْدَ اللهِ تعالى، إِذْ هِيَ لَيْلَةٌ نَزَلَ فِيهَا القُرْآنُ ذُو القَدْرِ، بِوَاسِطَةِ مَلَكٍ ذِي قَدْرٍ، عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذِي القَدْرِ، لِأَجْلِ أُمَّةٍ ذَاتِ قَدْرٍ، وَهَذِهِ الأُمَّةُ يَزْدَادُ قَدْرُهَا وَثَوَابُهَا عِنْدَ اللهِ تعالى إِذَا مَا أَحْيَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِالعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَكَلِمَةُ قَدْرٍ، لَهَا مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٌ، فَقَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى الضِّيقِ، وَبِمَعْنَى العِلْمِ، وَبِمَعْنَى الشَّرفِ وَالمَنْزِلَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.

338 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  فتاوى متعلقة بالقرآن الكريم

 السؤال :
 2023-02-25
 1236
هَلْ صَحِيحٌ أَنَّ سُورَةَ الإِخْلَاصِ تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ؟
 السؤال :
 2023-02-25
 988
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾؟
 السؤال :
 2023-02-06
 947
مَا مَعْنَى قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾؟
 السؤال :
 2023-01-30
 442
يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ﴾. وَيَقُولُ تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾. فَبِأَيِّ الأَمْرَيْنِ تَمَّتْ نَجَاةُ سَيِّدِنَا يُونُسَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ بَطْنِ الحُوتِ؟
 السؤال :
 2023-01-30
 470
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَاللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾؟
 السؤال :
 2022-10-03
 532
في قِصَّةِ ابْنَيْ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَمَا قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ قَالَ تعالى عَنْ قَابِيلَ القَاتِلِ: ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾. وَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّ النَّدَمَ تَوْبَةٌ، فَلِمَاذَا كُلَّمَا قَتَلَ إِنْسَانٌ آخَرَ ظُلْمًا يَتَحَمَّلُ قَابِيلُ وِزْرَهُ؟

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414595928
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :