العفو عن سارق بعد رفع الأمر إلى القضاء

2620 - العفو عن سارق بعد رفع الأمر إلى القضاء

19-01-2010 502 مشاهدة
 السؤال :
رجل سرق مالاً من آخر، فرفع الأمر إلى القضاء، وبعد خصومات طويلة استغرقت أربع سنوات، حكم القاضي على السارق بالمبلغ مع عقوبة السجن، والآن يتوسط بعض أهل الصلاح إلى المسروق منه أن لا يضع ملف الدعوى في التنفيذ، وأن يعفو عن السارق، فهل يجوز أن يعفو المسروق منه عن السارق والحال هذا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 2620
 2010-01-19

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَقَدْ ذَهَبَ الفُقَهَاءُ إلى مَشْرُوعِيَّةِ العَفْوِ عَنِ القِصَاصِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾. بَلْ نَدَبَ بَعْضُ الفُقَهَاءِ العَفْوَ وَاسْتَحَبُّوهُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ﴾. وَلِقَوْلِ سَيِّدِنَا أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا رُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمْرٌ فِيهِ الْقِصَاصُ إِلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ. رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ.

أَمَّا بِالنِّسْبَةِ للعَفْوِ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ لِحَقٍّ اللهِ تعالى فَلَا عَفْوَ فِيهِ وَلَا شَفَاعَةَ وَلَا إِسْقَاطَ إِذَا وَصَلَ إلى الحَاكِمِ وَثَبَتَ بِالبَيِّنَةِ وَالإِقْرَارِ.

وَاتَّفَقَ الفُقَهَاءُ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ وَالزِّنَا مِنْ حُقُوقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَفَاعَةٌ وَلَا عَفْوٌ وَلَا إِسْقَاطٌ إِذَا وَصَلَ إلى القَاضِي.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَلَا يَجُوزُ شَرْعًا للمَسْرُوقِ مِنْهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ السَّارِقِ بَعْدَ وُصُولِ الأَمْرِ إلى القَاضِي وَثُبُوتِ السَّرِقَةِ عَلَيْهِ، كَمَا لَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ، هَذَا فَضْلًا عَنِ الدِّفَاعِ عَنِ السَّارِقِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأُسَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عِنْدَمَا تَكَلَّمَ بِشَأْنِ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ التي سَرَقَتْ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَقِيَ رَجُلًا قَدْ أَخَذَ سَارِقًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ، فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ فَقَالَ: لَا، حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ السُّلْطَانَ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إِذَا بَلَغْتَ بِهِ السُّلْطَانَ فَلَعَنَ اللهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفِّعَ. رَوَاهُ الإِمَامُ مَالِكٌ.

إِذًا لَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ في هَذَا السَّارِقِ، وَلَا يَجُوزُ العَفْوُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ رَفَعَ الأَمْرَ إلى القَاضِي وَثَبَتَتْ عَلَيْهِ السَّرِقَةُ. وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَعَافُّوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِصَفْوَانَ لَمَّا تَصَدَّقَ بِرِدَائِهِ عَلَى سَارِقِهِ: فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ. رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ صَفْوَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

هَذَا إِذَا كَانَ القَاضِي يُطَبِّقُ حُدُودَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَمَّا إِذَا تَعَطَّلَتِ الحُدُودُ وَاسْتُبْدِلَتْ بِالتَّعْزِيرَاتِ فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ وَالعَفْوَ فِيهَا أَجَازَهَا بَعْضُ الفُقَهَاءِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ في ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ للجَانِي، بِحَيْثُ يُشَجَّعُ عَلَى التَّوْبَةِ وَصَلَاحِ حَالِهِ، لِأَنَّ السِّجْنَ اليَوْمَ مَا أَرَاهُ يُؤُدِّبُ السَّارِقَ، وَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ في صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ.

وَأَمَّا إِذَا كَانَ الإِنْسَانُ مَشْهُورًا بِالسَّرِقَةِ، وَلَمْ تَظْهَرْ عَلَيْهِ بَوَادِرُ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ وَالعَزْمِ عَلَى إِعَادَةِ الحُقُوقِ لِأَصْحَابِهَا، وَكَانَ مِمَّنْ يَسْتَهِينُ بِأَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا أَرَى جَوَازَ الشَّفَاعَةِ وَالعَفْوِ عَنْهُ. هذا، والله تعالى أعلم.

المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
502 مشاهدة
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أحكام السرقة

 السؤال :
 2017-02-26
 12486
إذا سرق إنسان آخر، ورفع الأمر إلى القاضي، وبعد الإدانة جاء أهل السارق يطلبون من المسروق منه العفو، فهل تنصح بالعفو؟
رقم الفتوى : 7889
 السؤال :
 2015-05-04
 3736
من أين تقطع يد السارق؟
رقم الفتوى : 6877
 السؤال :
 2012-04-21
 33176
هل يجوزُ للرجلِ المسلمِ أن يسرقَ الكهرباءَ، لأنَّ الدولة ظالمة لا تعطي الشعب حقه؟
رقم الفتوى : 5075
 السؤال :
 2011-12-18
 14945
قُبِضَ على سارق، فترك البضاعة المسروقة وهرب، ولم يُعرف صاحب البضاعة، فماذا يُصنع بالبضاعة المسروقة؟
رقم الفتوى : 4672
 السؤال :
 2011-10-06
 18480
إذا سرق المؤمن مال إنسان كافر، فهل يجب عليه ردُّه إذا تاب إلى الله تعالى من السرقة؟
رقم الفتوى : 4313
 السؤال :
 2010-04-24
 30047
إذا أقيم حدُّ السرقة على رجل، فهل يكون ضامناً للمال الذي سرقه؟ أم إقامة الحد عليه تجعله غير ضامن للمال المسروق؟
رقم الفتوى : 2859

الفهرس الموضوعي

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3163
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414673914
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :