219ـ مع الحبيب المصطفى: تأديبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للصحابة

219ـ مع الحبيب المصطفى: تأديبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للصحابة

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

219ـ تأديبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للصحابة رَضِيَ اللهُ عَنهُم

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد بَنَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُجْتَمَعَ في المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ على الإِخَاءِ والحُبِّ والتَّعَاوُنِ والتَّرَاحُمِ فِيمَا بَيْنَ أَفْرَادِهِ.

وكذلكَ أَسَّسَ في بُنْيَانِهِ مَا يَحْفَظُ هذا الكِيَانَ الصَّالِحَ، والوَسَطَ المُبَارَكَ، من دَعْوَةٍ إلى التَّنَاصُرِ والتَّآزُرِ ضِدَّ كُلِّ مَن يَسْعَى لِتَعْكِيرِ صَفْوِهِ، أَو تَهْدِيمِ بُنْيَانِهِ، أَو الاعْتِدَاءِ على أَفْرَادِهِ.

وكَانَ القُرآنُ العَظِيمُ يَنْزِلُ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُؤَكِّدَاً هذهِ المَبَادِئَ، ومُوَجِّهَاً إِلَيْهَا، ودَاعِيَاً إلى التَّمَسُّكِ بِهَا، ومُثْنِيَاً على المُؤْمِنِينَ الذينَ يَحْرِصُونَ على القِيَامِ بِهَا وحِمَايَتِهَا، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ واللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

مِيثَاقُ التَّحَالُفِ الإِسْلامِيِّ:

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد قَامَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بالمُؤَاخَاةِ بَيْنَ المُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ، ثمَّ بَعْدَ ذلكَ قَامَ بِكِتَابَةِ عَقْدٍ ومِيثَاقٍ بَيْنَهُم يُزِيحُ بِهِ عَنْهُم كُلَّ مَا كَانَ من حَزَازَاتِ الجَاهِلِيَّةِ، والنِّزَاعَاتِ القَبَلِيَّةِ، ولَمْ يَتْرُكْ مَجَالاً لِتَقَالِيدِ الجَاهِلِيَّةِ؛ وخُلاصَةُ هذا المِيثَاقِ والمُعَاهَدَةِ:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هذا كِتَابٌ من مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ والمُسْلِمِينَ من قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ، وَمَن تَبِعَهُم فَلَحِقَ بِهِم، وَجَاهَدَ مَعَهُم:

أولاً: أَنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النَّاسِ.

ثانياً: الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى رِبْعَتِهِمْ ـ حَالِهِمُ التي أَتَى الإِسْلَامُ وَهُم عَلَيْهَا ـ يَتَعَاقَلُونَ بَيْنَهُم، وَهُم يَفْدُون عَانِيهِم ـ أَسِيرَهُم ـ بالمَعْرُوفِ والقِسْطِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، وكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُم تَفْدِي عَانِيَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَالْقِسْطِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.

ثالثاً: وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَتْرُكُونَ مُفْرَحَاً ـ المُثْقَلَ بالدَّيْنِ والكَثِيرَ العِيَالِ ـ بَيْنَهُمْ، أَنْ يُعْطُوهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي فِدَاءٍ أَوْ عَقْلٍ.

رابعاً: وَأَنَّ المُؤْمِنِينَ المُتَّقِينَ على مَن بَغَى مِنْهُم، أَو ابْتَغَى دَسِيعَةَ ظُلْمٍ ـ أَي طَلَبَ دَفْعاً عَلى سَبِيلِ الظُلْمِ ـ أَو إِثْمٍ أَو عُدْوَانٍ أَو فَسَادٍ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ، وَأَنَّ أَيْدِيَهُم عَلَيْهِ جَمِيعَاً، وَلَو كَانَ وَلَدَ أَحَدِهِم.

خامساً: وَلَا يَقْتُلُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَاً في كَافِرٍ.

سادساً: وَلَا يَنْصُرُ كَافِرَاً على مُؤْمِنٍ.

سابعاً: وَأَنَّ ذِمَّةَ اللهِ وَاحِدَةٌ يُجِيرُ عَلَيْهِم أَدْنَاهُم ـ يَعنِي: هُم سَوَاءٌ فَالأَدْنَى كَالأَعلَى ـ.

ثامناً: وَأَنَّ مَن تَبِعَنَا من يَهُودَ فَإِنَّ لَهُ النَّصْرَ والأُسْوَةَ، غَيْرَ مَظْلُومِينَ ولا مُتَنَاصِرِينَ عَلَيْهِم.

تاسعاً: وَأَنَّ سِلْمَ المُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ؛ لا يُسَالِمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ في قِتَالٍ في سَبِيلِ اللهِ إلا على سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُم.

عاشراً: وَأَنَّ المُؤْمِنِينَ يَبِيءُ ـ يَمْنَعُ ـ بَعْضُهُم على بَعْضٍ بِمَا نَالَ دِمَاءَهُم في سَبِيلِ اللهِ.

الحَادِيَ عَشَرَ: وَأَنَّهُ لا يُجِيرُ مُشْرِكٌ مَالَاً لِقُرَيْشٍ ولا نَفْسَاً، ولا يَحُولُ دُونَهُ على مُؤْمِنٍ.

الثَّانِيَ عَشَرَ: وَأَنَّهُ مَن اعْتَبَطَ ـ أَيْ: مِنْ قَتْلَ بِلَا جِنَايَةٍ وَلَا جَرِيرَةٍ ـ مُؤْمِنَاً قَتْلَاً عَن بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ بِهِ ـ أَيْ: فَإِنَّ الْقَاتِل يُقْتَل بِهِ وَيُقَادُ ـ إلا أَنْ يَرْضَى وَلِيُّ المَقْتُولِ، وَأَنَّ المُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ كَافَّةٌ، ولا يَحِلُّ لَهُم إلا قِيَامٌ عَلَيْهِ.

الثَّالِثَ عَشَرَ: وَأَنَّهُ لا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَنْصُرَ مُحْدِثَاً ـ كُلُّ مَن أَتَى حَدَّاً من حُدُودِ اللهِ عزَّ وجلَّ ـ وَلَا يُؤْوِيهِ، وَأَنَّهُ مَنْ نَصَرَهُ أَوْ آوَاهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ لَعْنَةَ اللهِ وَغَضَبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ولا يُؤْخَذُ مِنْهُ صَرْفٌ ولا عَدْلٌ.

الرَّابِع عَشَرَ: وَأَنَّكُمْ مَهْمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ مَرَدَّهُ إلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى مُحَمّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

تَأْدِيبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم:

أيُّها الإخوة الكرام: بهذهِ الحِكْمَةِ، وبهذهِ الحَذَاقَةِ، أَرْسَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَوَاعِدَ المُجْتَمَعِ الجَدِيدِ، وكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَتَعَهَّدُهُم بالتَّعْلِيمِ والتَّرْبِيَةِ، وتَزْكِيَةِ النُّفُوسِ، والحَثِّ على مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، ويُؤَدِّبُهُم بِآدَابِ الوُدِّ والإِخَاءِ، والمَجْدِ والشَّرَفِ، والعِبَادَةِ والطَّاعَةِ.

من صُوَرِ هذا التَّأْدِيبِ لهذا المُجْتَمَعِ الجَدِيدِ:

أولاً: روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما، أَنَّ رَجُلَاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟

قَالَ: «تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».

ثانياً: روى الحاكم وابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ.

فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ».

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ـ شَرَّهُ ـ».

وروى الإمام البخاري عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ».

وروى الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».

وروى الإمام مسلم عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، إِن اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ».

وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانَاً».

وروى الإمام البخاري عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمَاً سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وروى الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِن الرَّحْمَنِ ـ أَيْ: يَدْخُلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ ـ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللهُ».

وروى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ».

وروى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِمَاً ثَوْبَاً عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِمَاً عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمَاً عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللهُ مِن الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ».

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: إلى جَانِبِ هذا كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَحُثُّ حَثَّاً شَدِيدَاً على الاسْتِعْفَافِ عَن المَسْأَلَةِ، وَيَذْكُرُ فَضَائِلَ الصَّبْرِ والقَنَاعَةِ، فَكَانَ يَعُدُّ المَسْأَلَةَ كُدُوْحَاً أَو خُدُوشَاً أَو خُمُوشَاً في وَجْهِ السَّائِلِ؛ اللَّهُمَّ إلا إِذَا كَانَ مُضْطَرَّاً.

أيُّها الإخوة الكرام: هكذا بَنَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المُجْتَمَعَ الجَدِيدَ في المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، ورَفَعَ مَعْنَوِيَّاتِهِم ومَوَاهِبَهُم، وَزَوَّدَهُم بِأَعْلَى القِيَمِ والأَقْدَارِ، حَتَّى وُصُولَاً إلى أَعْلَى قِمَّةٍ من الكَمَالِ عُرِفَتْ في تَارِيخِ البَشَرِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ.

يَقُولُ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: مَن كَانَ مُسْتَنَّاً فَلْيَسْتَنَّ بِمَن قَد مَاتَ، فَإِنَّ الحَيَّ لا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الفِتْنَةُ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا أَفْضَلَ هذهِ الأُمَّةِ؛ وَأَبْرَّهَا قُلُوبَاً، وَأَعْمَقَهَا عِلْمَاً، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفَاً، اِخْتَارَهُمُ اللهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ، وَلِإِقَامَةِ دِينِهِ، فَاعْرِفُوا لَهُم فَضْلَهُم، وَاتْبَعُوهُم على أَثَرِهِم، وَتَمَسَّكُوا بِمَا اسْتَطَعْتُم من أَخْلَاقِهِم وَسِيَرِهِم، فَإِنَّهُم كَانُوا على الهَدْىِ المُسْتَقِيمِ.

ثمَّ إِنَّ هذا الرَّسُولَ القَائِدَ الأَعْظَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَمَتَّعُ من الصِّفَاتِ المَعْنَوِيَّةِ والظَّاهِرَةِ، ومن الكَمَالَاتِ والمَوَاهِبِ، وَالأَمْجَادِ والفَضَائِلِ، وَمَكَارِمِ الأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنِ الأَعْمَالِ بِمَا جَعَلَتْهُ تَهْوِي إِلَيْهِ الأَفْئِدَةُ، وَتَتَفَانَى عَلَيْهُ النُّفُوسُ، فَمَا يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ إلا وَيُبَادِرُ صَحَابَتُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم إلى امْتِثَالِهَا، وَمَا يَصْدُرُ من إِرْشَادٍ أَو تَوْجِيهٍ إلا وَيَتَسَابَقُونَ إلى العَمَلِ بِهِ.

بِمِثْلِ هذا اسْتَطَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْنِيَ في المَدِينَةِ مُجْتَمَعَاً جَدِيدَاً أَرْوَعَ وَأَشْرَفَ مُجْتَمَعٍ عَرَفَهُ التَّارِيخُ، وَأَنْ يَضَعَ لِمَشَاكِلِ هذا المُجْتَمَعِ حَلَّاً تَنَفَّسَتْ لَهُ الإِنْسَانِيَّةُ الصُّعَدَاءَ، بَعْدَ أَنْ كَانَت قَد تَعِبَت في غَيَاهِبِ الزَّمَانِ وَدَيَاجِيرِ الظُّلُمَاتِ.

وبِمِثْلِ هذهِ المَعْنَوِيَّاتِ الشَّامِخَةِ تَكَامَلَتْ عَنَاصِرُ المُجْتَمَعِ الجَدِيدِ الذي وَاجَهَ كُلَّ تَيَّارَاتِ الزَّمَانِ حَتَّى صَرَفَ وِجْهَتَهَا، وَحَوَّلَ مَجْرَى التَّارِيخِ والأَيَّامِ.

أيُّها الإخوة الكرام: وَكَم نَحْنُ الآنَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إلى هذا التَّوْجِيهِ من سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

إِنَّ اتَّبَاعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَمَانٌ لَنَا في تَحْقِيقِ سَعَادَةِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ. اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بذلكَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 23/ذو القعدة /1435هـ، الموافق: 7/أيلول / 2015م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2371 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2371
20-06-2019 1406 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1406
28-04-2019 1195 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1195
28-04-2019 1198 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1198
21-03-2019 1847 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1847
13-03-2019 1713 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1713

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414941106
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :