225ـ مع الحبيب المصطفى: من كان أو من قد يكون كأحمد؟

225ـ مع الحبيب المصطفى: من كان أو من قد يكون كأحمد؟

 

 مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

225ـ من كان أو من قد يكون كأحمد؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فيا أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أَكْرَمَنَا اللهُ تعالى بِأَنْ جَعَلَنَا مِن أُمَّةِ خَيْرِ الأَنَامِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي كَسَاهُ اللهُ تعالى بالجَمَالِ، وَكَسَا جَمَالَهُ بالجَلالِ والوَقَارِ، فَمَا كَانَ أَحَدٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْلَأَ عَيْنَيْهِ من نُورِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

رَوَى ابن ماجه والحَاكم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تَرْتَعِدُ فَرَائِصُهُ. (الارْتِعَادُ: الرَّجْفَةُ والاضْطِرَابُ من الخَوْفِ، والفَرِيصَةُ: الَّلَحْمُ الَّذِي يَكُونُ بَينَ الكَتِفِ وَالصَّدْرِ).

فَقَالَ لَهُ: «هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ (اللَّحْمُ المُقَطَّعُ والمُمَلَّحُ المُجَفَّفُ في الشَّمْسِ) في هذهِ البَطْحَاءِ».

أيُّها الإخوة الكرام: لَقَد أُعْطِيَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحُسْنَ كُلَّهُ، أَمَّا سَيِّدُنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَد أُعْطِيَ نِصْفَ الحُسْنِ، وَمَعَ ذلكَ فَقَد فُتِنَتْ بِهِ النِّسْوَةُ، بَلْ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ انْبِهَارَاً بِجَمَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبَّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينَاً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للهِ مَا هَذَا بَشَرَاً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾.

وَصْفُ أُمِّ مَعْبَدٍ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: من أَدَقِّ وَصْفٍ لِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَصْفُ أُمِّ مَعْبَدٍ، عَاتِكَةَ بِنْتِ خَالِدٍ الخُزَاعِيَّةِ، رَضِيَ اللهُ عَنهُا وَأَرْضَاهَا، وَكَانَتْ رَضِيَ اللهُ عَنها امْرَأَةً جَلِيلَةً مُسِنَّةً، قَوِيَّةَ الشَّخْصِيَّةِ.

رَوَى الحَاكِمُ عَن هِشَامِ بْنِ حُبَيْشِ بْنِ خُوَيْلِدَ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ من مَكَّةَ مُهَاجِرَاً إلى المَدِينَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَمَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ، وَدَلِيلُهُمَا اللَّيْثِيُّ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُرَيْقِطَ مَرُّوا على خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الخُزَاعِيَّةِ، وَكَانَتْ امْرَأَةً بَرْزَةً (عَفِيفَةً) جَلْدَةً (قَوِيَّةً) تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الخَيْمَةِ، ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ، فَسَأَلُوهَا لَحْمَاً وَتَمْرَاً لِيَشْتَرُوهُ مِنْهَا، فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئَاً مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِتِينَ(يَعْنِي: مُجْدَبِينَ أَصَابَتْهُمُ السَّنَةُ وَهِيَ القَحْطُ وَالجَدْبُ).

فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ فِي كِسْرِ الْخَيْمَةِ (جَانِبِ الخَيْمَةِ).

فَقَالَ : «مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟».

قَالَتْ: خَلَّفَهَا الْجَهْدُ (الهَزْلُ والضَّعْفُ) عَنِ الْغَنَمِ.

قَالَ: «فَهَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟».

قَالَتْ: هِي أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ.

قَالَ: «أَتَأْذَنِينَ أَنْ أَحْلُبَهَا؟».

قَالَتْ: بَلَى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبَاً فَاحْلِبْهَا. (إنْ رَأيْتُ فِيهَا لَبَناً مَحلُوباً فَأَحْلِبَهَا).

فَدَعَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَ بِيَدِهِ ضَرْعَهَا، وَسَمَّى اللهَ تعالى، وَدَعَا لَهَا في شَاتِهَا، فَتَفَاجَّتْ عَلَيْهِ (فَتَحَتْ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا لِلْحَلْبِ) وَدَرَّتْ، فَاجْتَرَّتْ، فَدَعَا بِإِنَاءٍ يُرْبِضُ الرَّهْطَ (يُشْبِعُ الجَمَاعَةَ حَتَّى يَرْوُوا من اللَّبَنِ وَيَثْقُلُوا فَيَنَامُوا) فَحَلَبَ فِيهِ ثَجَّاً (أَيْ: لَبَنَا سَائِلاً كَثِيرَاً) حَتَّى عَلَاهُ البَهَاءُ (بَهَاءُ الَّلبَنِ)، ثمَّ سَقَاهَا حَتَّى رَوِيَتْ (سَقَاهَا أَوَّلاً كَرَامَةً لَهَا)، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوُوا، وَشَرِبَ آخْرُهُم حَتَّى أَرَاضُوا (شَرِبُوا حَتَّى رَوُوا)، ثمَّ حَلَبَ فِيهِ الثَّانِيَةَ على هِدَةٍ حَتَّى مَلَأَ الإِنَاءَ، ثمَّ غَادَرَهُ عِنْدَهَا، ثمَّ بَايَعَهَا (عَلَى الإِسْلَامِ) وَارْتَحَلُوا عَنْهَا، فَقَلَّ مَا لَبِثَتْ حَتَّى جَاءَهَا زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ لِيَسُوقَ أَعْنُزَاً عِجَافَاً يَتَسَاوَكْنَ هُزَالَاً (تَتَمَايَلُ من ضَعْفِهَا) مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ (الوَدَكُ الذِي فِي العَظْمِ)، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مَعْبَدٍ اللَّبَنَ أَعْجَبَهُ، قَالَ: مِن أَيْنَ لَكِ هذا يَا أُمَّ مَعْبَدٍ والشَّاءُ عَازِبٌ حَائِلٌ(بَعِيدَةٌ عَن المَرْعَى) وَلا حَلُوبَ في البَيْتِ؟

قَالَتْ: لا واللهِ إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ، من حَالِه كذا وكذا.

قَالَ: صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ.

قَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلَاً ظَاهِرَ الوَضَاءَةِ (الحُسنُ والبَهجَةُ)، أَبْلَجَ الوَجْهِ (مُشْرِقُ الوَجهِ)، حَسَنَ الخُلُقِ، لَمْ تَعُبْهُ ثَجْلَةٌ (ضِخَمُ بَطْنٍ) وَلَمْ تُزْرِيهِ صَعْلَةٌ(صِغَرُ رَأْسٍ) وَسِيمٌ (الحُسْنُ الوَضيءُ الثَّابِتُ) قَسِيمٌ (جَمِلٌ كُلُّهُ كَأنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهُ أَخَذَ قِسْماً مِنَ الجَمَالِ)، في عَيْنَيْهِ دَعَجٌ (شِدَّةُ سَوَادٍ) وفي أَشْفَارِهِ وَطْفٌ (في شَعْرِ أَجْفَانِهِ طُولٌ) وَفِي صَوْتِهِ صَهْلٌ (حِدَّةٌ وَصَلَابَةٌ) وفي عُنُقِهِ سَطَعٌ (طُولٌ)، وفي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ أَقْرَنُ )الزِّجَجُ: هُوَ تَقَوُّسٌ فِي الحَوَاجِبِ مَعَ طُوُلٍ وَاِمتِدَادٍ، وَالأَقْرَنُ: المُتَّصِلُ الحَوَاجِبِ)، إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الوَقَارُ (الحِلْمُ والرَزَانَةُ) وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَاهُ وَعَلَاهُ البَهَاءُ، أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُ من بَعِيدٍ، وَأَحْسَنُهُ وَأَجْمَلُهُ من قَرِيبٍ، حُلْوُ المَنْطِقِ فَصْلَاً (بَيِّنٌ ظَاهِرٌ يَفْصِلُ بَنَ الحَقِّ والبَاطِلِ)، لا نَزْرَ ولا هَذَرَ (لا قَليِلَ الكَلَامِ ولَا كَثِيرَهُ)، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نُظْمٍ، يَتَحَدَّرْنَ، رَبْعَةً لا تَشْنَأُهُ (لا تُبْغِضُهُ) من طُولٍ (وسيطُ القَامِةِ)، ولا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ من قِصَرٍ (لَا تَتَجَاوَزُهُ إلَى غَيرِهِ احْتِقَارَاً لَهُ) غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرَاً، وَأَحْسَنُهُم قَدْرَاً، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ، إِنْ قَالَ سَمِعُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إلى أَمْرِهِ، مَحْفُودٌ (هُوَ الذِي يَخْدِمُهُ النَّاسُ وَيُسْرِعُونَ فِي تَنفِيذِ أَمْرِهِ)، مَحْشُودٌ (هُوَ الذِي يَحْتَشِدُ النَّاسُ لِسَمَاعِهِ إِذَا تَكَلَّمَ) لا عَابِسٌ (مُتَجَهِّمَ الوَجْهِ) ولا مُفَنَّدٌ (ولَا مُخَرَّفٌ).

قَالَ أَبُو مَعْبَدٌ: هذا واللهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الذي ذُكِرَ لَنَا من أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ، وَلَقَد هَمَمْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ، وَلَأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إلى ذلكَ سَبِيلَاً.

ثمَّ هَاجَرَتْ مَعَ زَوْجِهَا إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمَا.

تَلَأْلُؤُ وَجْهِهِ المُنِيرِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أيُّها الإخوة الكرام: كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهَاً، وَأَنْوَرَهُم مُحَيَّاً، اِجْتَمَعَتْ كَلِمَةُ كُلِّ مَن رَآهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على أَنَّهُ كَانَ مُنِيرَ الوَجْهِ، مُشْرِقَ المُحَيَّا، يَتَلَأْلَؤُ بالنُّورِ البَاهِرِ، والضِّيَاءِ الزَّاهِرِ، والبَهَاءِ الظَّاهِرِ.

روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ والدَّارَمِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بن مُحَمَّدِ بن عَمَّارِ بن يَاسِرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلرَّبِيعِ بنتِ مُعَوِّذِ بن عَفْرَاءَ: صِفِي لِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ.

فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، لَوْ رَأيْتَهُ رَأيْتَ الشَّمْسَ طَالِعَةً.

   يَقُولُ عُمَرُ بْنُ سَالِمٍ الخُزَاعِيُّ، حِينَ قَدِمَ على سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في المَدِينَةِ، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ في المَسْجِدِ، يَسْتَنْصِرُهُ على قُرَيْشٍ لَمَّا نَقَضُوا العَهْدَ:

يَا رَبِّ إنِّـي نَـاشِـدٌ مُحَـمَّدَاً    ***   حِـلْـفَ أَبِـينَـا وَأَبِيـهِ الْأَتْـلَدَا

قَـدْ كُـنْتُـمُ وُلْدَاً وَكُنَّا وَالِدَا    ***   ثُمَّتَ أَسْـلَـمْنَا وَلَمْ نَـنْـزِعْ يَـدَا

فَانْصُرْ هَـدَاكَ اللهُ نَصْرَاً أَبَدَا   ***   وَادْعُ عِـبَـادَ اللهِ يَـأْتُـوا مَــدَدَا

فِيـهِـمْ رَسُـولُ اللهِ قَـدْ تَجَرَّدَا   ***   أَبْيَضَ مِثْلَ الْبَدْرِ يَسْمُو صُعُدَا

(ثُمَّتَ: حَرْفُ عَطْفٍ لَحِقَتْهُ التَّاءُ المَفْتُوحَةُ) (صُعُدَا: أي يَزِيدُ صُعُودَاً وارتِفَاعَاً)

لَمْ أَرَ قَبْلَهُ، ولا بَعْدَهُ مِثْلَهُ:

أيُّها الإخوة الكرام: روى البيهقي عَن أَبِي إِسْحَاقَ الهَمَدَانِيِّ، عَن امْرَأَةٍ من هَمَدَانَ، سَمَّاهَا، قَالَتْ: حَجَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَرَّاتٍ (تَقْصِدُ بذلكَ العُمْرَةَ) على بَعِيرٍ لَهُ يَطُوفُ بالكَعْبَةِ بِيَدِهِ مِحْجَنٌ (عَصَاً مَعْقُوفَةٌ) عَلَيْهِ بُرْدَانِ أَحْمَرَانِ، تَكَادُ تَمَسُّ مِنْكَبَهُ، إِذَا مَرَّ بالحَجَرِ اسْتَلَمَهُ بالمِحْجَنِ، ثمَّ يَرْفَعُهُ إِلَيْهِ فَيُقَبِّلُهُ.

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: فَقُلْتُ لَهَا: شَبِّهِيهِ.

قَالَتْ: كَالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ، ولا بَعْدَهُ مِثْلَهُ؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وروى الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ (أَيْ: ذَهَبُوا مُسْرِعِينَ إِلَيْهِ).

فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ؛ وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ».

يَقُولُ سَيِّدُنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:

لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ آيَاتٌ مُبَيِّنَةٌ   ***   كَانَتْ بَدَاهَتُهُ تُنْبِيكَ بِالْخَبَرِ

(البَدَاهَةُ: أَوَّلُ كُلِّ شَيءٍ، وَمَا يُفْجَأ مِنَ الأَمْرِ)

وَيَقُولُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ:

وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ   ***   ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ

ثِمَالُ الْيَتَامَى: (أَيْ مُطْعِمُهُم وَعِمَادُهُم).

عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ: (أَيْ: يَمْنَعهُمْ مِمَّا يَضُرُّهُمْ).

خاتِمَةٌ ـ نَسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:

أيُّها الإخوة الكرام: روى البيهقي عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها قَالَتْ: كُنْتُ قَاعِدَةً أَغْزِلُ والنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ (أَيْ: يَخْرِزُ وَيُرَقِّعُ) فَجَعَلَ جَبِينُهُ يَعْرَقُ، وَجَعَلَ عَرَقُهُ يَتَوَلَّدُ نُورَاً، فَبُهِتُّ.

فَنَظَرَ إِلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا لَكِ يَا عَائِشَةُ بُهِتِّ؟».

قُلْتُ: جَعَلَ جَبِينُكَ يَعْرَقُ، وَجَعَلَ عَرَقُكَ يَتَوَلَّدُ نُورَاً، وَلَوْ رَآكَ أَبُو كَبِيرِ الهُذَلِيُّ لَعَلِمَ أَنَّكَ أَحَقُّ بِشِعْرِهِ.

قَالَ: «وَمَا يَقُولُ أَبُو كَبِيرٍ؟».

قَالَتْ: قُلْتُ: يَقُولُ:

وَمُبَرّأٌ مِنْ كُلِّ غُبَّرِ حَـيْـضَةٍ   ***   وَفَسَادِ مُـرْضِـعَةٍ وَدَاءٍ مُعْضِلِ

فَإِذَا نَظَرْتُ إلى أَسِرَّةِ وَجْهِهِ   ***   بَرَقَتْ كَبَرْقِ العَارِضِ المُتَهَلِّلِ

(فَسَادِ مُـرْضِـعَةٍ أَيْ: لَمْ تَحْمِلْ بِهِ في بَقِيَّةِ حَيْضٍ، ولا حَمَلَتْ بِغَيْرِهِ حَالَةَ رِضَاعِهِ).

قَالَتْ: فَقَامَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيَّ وَقَالَ: «جَزَاكِ اللهُ يَا عَائِشَةُ عَنِّي خَيْرَاً، مَا سُرِرْتِ مِنِّي كَسُرُورِي مِنْكِ».

ورَضِيَ اللهُ عَن سَيِّدِنَا حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَمَا قَالَ:

مَتَى يَـبْـدُ في اللَّيْلِ البَهِيمِ جَـبِينُهُ   ***   يَلُحْ مِثْلَ مِصْبَاحِ الدُّجَى المُتَوَقِّدِ

فَمَنْ كَانَ أَوْ مَنْ قَد يَكُونُ كَأَحْمَدٍ   ***   نِـظَـامَـاً لِحَـقٍّ أَوْ نَـكَـالَاً لِمُلْحِـدِ

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يُعَظِّمَ في قُلُوبِنَا حُبَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الـْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.

**     **     **

تاريخ الكلمة:

 

الاثنين: 27/ محرم /1437هـ، الموافق: 9/ تشرين الثاني / 2015م

الشيخ أحمد شريف النعسان
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  مع الحبيب المصطفى   

26-06-2019 2371 مشاهدة
316ـ العناية الربانية بالحبيب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ سَخَّرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ المَوْجُودَاتِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ العِنَايَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِهِ صَلَّى ... المزيد

 26-06-2019
 
 2371
20-06-2019 1406 مشاهدة
315ـ سَيَبْلُغُ مَا بَلَغَ مُلْكُ كِسْرَى

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 20-06-2019
 
 1406
28-04-2019 1195 مشاهدة
315ـ«لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ»

الدُّنْيَا كُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى حَافِظٌ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَاصِرٌ لَهُ، وَمُنْتَقِمٌ مِمَّنْ ظَلَمَهُ عَاجِلَاً وَآجِلَاً، آخِذٌ لَهُ بِحَقِّهِ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1195
28-04-2019 1198 مشاهدة
314ـ في محط العناية

لَقَدِ رَحِمَ اللهُ تعالى هَذِهِ الأُمَّةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدَاً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُبَشِّرَاً وَنَذِيرَاً، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، وَجَعَلَ شَرِيعَتَهُ ... المزيد

 28-04-2019
 
 1198
21-03-2019 1847 مشاهدة
313- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾

فَعَلَى قَدْرِ التَّحَمُّلِ يَكُونُ الأَدَاءُ، وَبِحَسْبِ الشَّهَادَةِ تَكُونُ المُهِمَّةُ، لِذَلِكَ عَلَّمَ اللهُ تعالى سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِهِ العَظِيمِ مَا لَمْ يَكُنْ ... المزيد

 21-03-2019
 
 1847
13-03-2019 1713 مشاهدة
312- مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:«فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ»

وَجَاءَتْ تَارَةً بِمَدْحِ أَهْلِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾. وَقَالَ: ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾. وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ... المزيد

 13-03-2019
 
 1713

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414940903
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :