44ـ ماذا يجب على المغسل؟

44ـ ماذا يجب على المغسل؟

بر الوالدين

44ـ ماذا يجب على المغسل؟

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الوَاجِبُ عَلَى الأَوْلَادِ تَغْسِيلُ الأَبَوَيْنِ عِنْدَ مَوْتِهِمَا، وَلَو كَانَا ـ لَا قَدَّرَ اللهُ ـ كَافِرَيْنِ، لِأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنْ يُغَسِّلَ أَبَاهُ، روى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عَمَّكَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ.

فَقَالَ لِي: «اذْهَبْ فَوَارِهِ، وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئَاً حَتَّى تَأْتِيَنِي».

قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَوَارَيْتُهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَيْهِ وَعَلَيَّ أَثَرُ التُّرَابِ وَالْغُبَارِ؛ فَدَعَا لِي بِدَعَوَاتٍ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ.

مَعَ أَنَّ الأَصْلَ لَا يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ تَغْسِيلُ الكَافِرِ، لِأَنَّ الغُسْلَ وَجَبَ كَرَامَةً وَتَعْظِيمَاً للمَيْتِ، وَالكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الكَرَامَةِ وَالتَّعْظِيمِ، إِلَّا إِذَا كَانَ المَيْتُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ المُسْلِمِ كَالأَبِ فَيَجُوزُ تَغْسِيلُهُ.

مَاذَا يَجِبُ عَلَى المُغَسِّلِ؟

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَنْبَغِي عَلَى المُغَسِّلِ للمَيْتِ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً أَمِينَاً، وَعَارِفَاً بِأَحْكَامِ الغُسْلِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِيُغَسِّل مَوْتَاكُمُ المَأْمُونُونَ» رواه ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

وَلَا يَجُوزُ لَهُ إِذَا رَأَى مِنَ المَيِّتِ شَيْئَاً مِمَّا يُكْرَهُ أَنْ يَذْكُرَهُ إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَال: «مَنْ غَسَّل مَيِّتَاً فَأَدَّى فِيهِ الأَمَانَةَ وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَإِنْ رَأَى حَسَنَاً مِثْلَ أَمَارَاتِ الْخَيْرِ مِنْ وَضَاءَةِ الْوَجْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، اسْتُحِبَّ لَهُ إِظْهَارُهُ لِيَكْثُرَ التَّرَحُّمُ عَلَيْهِ، وَيَحْصُل الْحَثُّ عَلَى طَرِيقَتِهِ، وَالتَّبْشِيرُ بِجَمِيل سِيرَتِهِ.

روى الشيخان عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمَاً سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وفي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: «سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».

وروى الحاكم عَنْ أَبِي رَافِعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتَاً فَكَتَمَ عَلَيْهِ غُفِرَ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً، وَمَنْ كَفَّنَ مَيِّتَاً كَسَاهُ اللهُ مِنَ السُّنْدُسِ، وَإِسْتَبْرَقِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ حَفَرَ لِمَيِّتٍ قَبْرَاً فَأَجَنَّهُ فِيهِ أُجْرِيَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَأَجْرِ مَسْكَنٍ أُسْكِنَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

أَجْرُ المُغَسِّلِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: تَغْسِيلُ المَيْتِ مِنْ أَبْوَابِ المَغْفِرَةِ التي أَكْرَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عِبَادَهُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَسَّل مَيِّتَاً فَأَدَّى فِيهِ الأَمَانَةَ وَلَمْ يُفْشِ عَلَيْهِ مَا يَكُونُ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَفَرَ قَبْرَاً بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتَاً فِي الْجَنَّةِ، وَمَنْ غَسَّلَ مَيِّتَاً خَرَجَ مِنَ الخَطَايَا كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَمَنْ كَفَّنَ مَيِّتَاً كَسَاهُ اللهُ أَثْوَابَاً مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ عَزَّى حَزِينَاً أَلْبَسَهُ اللهُ التَّقْوَى وَصَلَّى عَلَى رُوحِهِ فِي الْأَرْوَاحِ، وَمَن عَزَّى مُصَابَاً كَسَاهُ اللهُ حُلَّتَيْنِ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ لَا يَقُومُ لَهُمَا الدُّنْيَا، وَمَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةً حَتَّى يُقْضَى دَفْنُهَا كُتِبَ لَهُ ثَلَاثَةُ قَرَارِيطَ، الْقِيرَاطُ مِنْهَا أَعْظَمُ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ، وَمَنْ كَفَلَ يَتِيمَاً أَوْ أَرْمَلَةً أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ وَأَدْخَلَهُ جَنَّتَهُ» رواه الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: إِذَا كَانَ هَذَا في حَقِّ المُؤْمِنِ بِشَكْلٍ عَامٍّ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ في حَقِّ الأَبَوَيْنِ؟

إِذَا كَانَ في تَغْسِيلِ المَيْتِ أَجْرٌ، وَفي تَكْفِينِهِ أَجْرٌ، وَفي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَجْرٌ، وَفي اتِّبَاعِ جِنَازَتِهِ أَجْرٌ بِشَكْلٍ عَامٍّ، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ هَذَا في حَقِّ الوَالِدَيْنِ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: فَمِنْ حَقِّ المُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ أَنْ يُغَسِّلَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، كَمَا مِنْ حَقِّهِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ إِذَا رَأَى مِنْهُ شَيْئَاً مِمَّا يُكْرَهُ، هَذَا بِشَكْلٍ عَامٍّ، فَكَيْفَ يَكُونُ الحُكْمُ إِذَا كَانَ في حَقِّ الأَبَوَيْنِ؟ يَقِينَا هُوَ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْلَى.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى لَنَا وَلِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا حُسْنَ الخِتَامِ. آمين.

**      **    **

تاريخ الكلمة:

الأحد: 4/ ذو القعدة /1440هـ، الموافق: 7/ تموز / 2019م

 2019-07-07
 771
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  بر الوالدين

25-10-2020 2290 مشاهدة
71ـ لين الجانب لهما والقول الكريم لهما

مَّا يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ تُجَاهَ وَالِدَيْهِ، أَنْ يُخَاطِبَهُمَا بِالقَوْلِ اللَّيِّنِ، وَالكَلَامِ اللَّطِيفِ، وَلَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِمَا، وَلَا يُخَاطِبَهُمَا بِالعِبَارَاتِ الحَادَّةِ، وَالكَلِمَاتِ النَّابِيَةِ، وَالغِلْظَةِ ... المزيد

 25-10-2020
 
 2290
18-10-2020 1739 مشاهدة
70ـ الإنفاق على الوالدين الفقيرين

وَمِمَّا يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ تُجَاهَ وَالِدَيْهِ، الإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا إِذَا كَانَا مُحْتَاجَيْنِ، وَلْيَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَنْ يَدْفَعَ لَهُمَا مِنْ زَكَاةِ أَمْوَالِهِ، لِأَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى ... المزيد

 18-10-2020
 
 1739
04-10-2020 1056 مشاهدة
69ـ الحرص على هدايتهما (2)

حُقُوقُ الوَالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ كَبِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ جِدًّا، وَمِنْ هَذِهِ الحُقُوقِ أَنْ يَكُونَ الوَلَدُ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَةِ وَالِدَيْهِ إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ، وَأَنْ يَكُونَ نَاصِحًا أَمِينًا لَهُمَا بِأُسْلُوبٍ حَكِيمٍ، وَخَاصَّةً ... المزيد

 04-10-2020
 
 1056
21-09-2020 830 مشاهدة
68ـ الحرص على هدايتهما (1)

هَذَا سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَةِ وَالِدِهِ كُلَّ الحِرْصِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى لَنَا قِصَّتَهُ في القُرْآنِ العَظِيمِ لِيَكُونَ أُسْوَةً لَنَا في تَقْدِيمِ النُّصْحِ وَالحِرْصِ ... المزيد

 21-09-2020
 
 830
08-03-2020 1781 مشاهدة
67ـ وجوب توقيرهما وتكريمهما

مَّا يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ تُجَاهَ وَالِدَيْهِ أَنْ يُوَقِّرَهُمَا وَيُكْرِمَهُمَا، فَلَا يَصِفَهُمَا بِوَصْفٍ لَا يَلِيقُ بِهِمَا، وَلَا يُنَادِيهِمَا بِأَسْمَائِهِمَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْتَرِمَهُمَا في مَجْلِسِهِمَا. كَيْفَ لَا يَكُونُ ... المزيد

 08-03-2020
 
 1781
06-03-2020 1208 مشاهدة
66ـ شكر الله تعالى على ما أنعم (2)

مِنْ فَوَائِدِ بِرِّ الوَالِدَيْنِ كَمَالُ الإِيمَانِ، وَحُسْنُ الإِسْلَامِ، وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ العِبَادَاتِ، وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ المُوصِلُ إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَهُوَ سَبَبٌ في بَرَكَةِ العُمُرِ، ... المزيد

 06-03-2020
 
 1208

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414949515
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :