708ـ خطبة عيد الفطر 1441 هـ: من أي الفريقين أنت؟

708ـ خطبة عيد الفطر 1441 هـ: من أي الفريقين أنت؟

708ـ خطبة عيد الفطر 1441 هـ: من أي الفريقين أنت؟

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ رَحَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَذَهَبَ عَنَّا بِأَفْعَالِنَا، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَينا غَدًا يَوْمَ القِيَامَةِ شَاهِدًا عَلَيْنَا، فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَاذَا أَوْدَعْنَا فِيهِ مِنَ الأَعْمَالِ، وَبِأَيِّ الأَحْوَالِ وَدَّعْنَاهُ؟

هَلْ يَا تُرَى رَحَلَ عَنَّا هَذَا الشَّهْرُ وَهُوَ حَامِدٌ وَرَاضٍ لِصَنِيعِنَا، أَمْ أَنَّهُ ذَامٌّ وَمُبْغِضٌ لِتَضْيِيعِنَا؟ هَلْ رَحَلَ عَنَّا وَنَحْنُ صُمْنَا نَهَارَهُ حَقَّ الصِّيَامِ، وَقُمْنَا لَيْلَهُ حَقَّ القِيَامِ، حَتَّى يَكُونَ لَنَا شَفِيعًا يَوْمَ القِيَامَةِ؟

النَّاسُ في رَمَضَانَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هُنَاكَ مِنَّا مَنْ عَرَفَ حَقَّ هَذَا الشَّهْرِ فَأَدَّاهُ حَقَّهُ مِنْ صِيَامٍ وَقِيَامٍ وَتِلَاوَةٍ للقُرْآنِ، وَفِعْلٍ للطَّاعَاتِ وَالقُرُبَاتِ، وَهَجْرٍ للمَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، هَنِيئًا لِهَؤُلَاءِ الذينَ يَقْبِضُونَ جَوَائِزَهُمْ، وَيَرْجِعُونَ إلى رِحَالِهِمْ رَاشِدِينَ بِحَيَاةٍ طَيِّبَةٍ يَنْتَظِرُونَ الجَزَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

هَؤُلَاءِ يَنْتَظِرُونَ وَعْدَ رَبِّهِمُ القَائِلِ: ﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾. يَنْتَظِرُونَ وَعْدَ اللهِ تعالى الذي لَا يُخْلَفُ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. وَوَعْدَهُ الذي وَعَدَهُ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾.

وَهُنَاكَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ حُقُوقِ هَذَا الشَّهْرِ، بَلْ أَعْرَضَ عَنْ حُقُوقِ اللهِ تعالى جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، وَأَغْمَضَ العَيْنَ إِلَّا عَنْ شَهَوَاتِهِ المُحَرَّمَةِ العَاجِلَةِ الفَانِيَةِ، فَبَاعَ دِينَهُ وَآخِرَتَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا، هَؤُلَاءِ سَيُفَاجَؤُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، حَيْثُ ﴿لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾.

هَؤُلَاءِ سَتَكُونُ نَتِيجَتُهُمْ جَهَنَّمَ حَيْثُ يَدْخُلُونَهَا دَاخِرِينَ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.

تَسَاءَلْ مَعَ نَفْسِكَ: مِنْ أَيِّ الفَرِيقَيْنِ أَنْتَ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلُمُّوا لِنَتَسَاءَلْ مَعَ أَنْفُسِنَا: مِنْ أَيِّ الفَرِيقَيْنِ نَحْنُ؟

هَلْ نَحْنُ مِنَ الفَرِيقِ الذي عَرَفَ اللهَ وَعَرَفَ حَقَّ اللهِ عَلَيْهِ، فَصَبَرَ وَصَابَرَ وَاحْتَسَبَ وَاسْتَقَامَ في هَذِهِ الأَزْمَةِ القَاسِيَةِ وَذَاقَ مَرَارَتَهَا مِنْ خَوْفٍ وَرُعْبٍ وَفَزَعٍ وَأَهْوَالٍ وَفَقْرٍ وَشِدَّةٍ وَغَلَاءِ أَسْعَارٍ حَتَّى ضَاقَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا؟ مَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الذينَ مَا شَغَلَهُمْ حَاضِرُهُمُ القَاسِي عَنْ أَدَاءِ حُقُوقِ رَبِّهِمْ، وَحَقِّ شَهْرِ رَمَضَانَ هَنِيئًا لَهُمْ بِشَارَةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَمْ لَا قَدَّرَ اللهُ مِنَ الصِّنْفِ الثَّانِي؟ هَؤُلَاءِ الذينَ تَمَتَّعُوا في حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا بِدُونِ انْضِبَاطٍ بِضَوَابِطِ الشَّرِيعَةِ، فَلَمْ يُحِلُّوا حَلَالًا، وَلَمْ يُحَرِّمُوا حَرَامًا، بَلْ أَقْبَلُوا عَلَى مَلَذَّاتِ دُنْيَاهُمْ وَلَو عَلَى حِسَابِ الآخَرِينَ، وَكَانُوا يَضْحَكُونَ مِنَ الذينَ آمَنُوا، وَيَكِيدُونَ لَهُمْ كَيْدًا تَزُولُ مِنْهُ الجِبَالُ، هَؤُلَاءِ أَلَمْ يَحْسِبُوا حِسَابًا لِمَا حَذَّرَهُمْ مِنْهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا مَنْ عَرَفْتُمْ حَقَّ هَذَا الشَّهْرِ رَغْمَ الغُصَصِ التي تَجَرَّعْتُمُوهَا، هَنِيئًا لَكُمْ رِضَاكُمْ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَبْشِرُوا بِإِذْنِ اللهِ تعالى بِرِضَا اللهِ عَنْكُمْ، وَهَلُمُّوا لِنَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ رَمَضَانَ، يَا شَهْرَ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتِلَاوَةِ القُرْآنِ، يَا شَهْرَ الرَّحْمَةِ وَالمَغْفِرَةِ وَالعِتْقِ مِنَ النِّيرَانِ، بِاللهِ عَلَيْكَ اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ بِتَفْرِيجِ كَرْبِنَا في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ في أَنْ لَا يُحَمِّلَنَا مَا لَا نُطِيقُ، اشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ في أَنْ يُثَبِّتَنَا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ مَعَ أُصُولِنَا وَفُرُوعِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَالمُسْلِمِينَ، وَأَنْ لَا نَرْتَدَّ عَلَى أَعْقَابِنَا خَائِبِينَ.

يَا ربُّ، بِحَقِّ الصَّائِمِينَ عَلَيْكَ، وَبِحَقِّ القَائِمِينَ عَلَيْكَ، وَبِحَقِّ المُقَرَّبِينَ إِلَيْكَ، عَجِّلْ بِتَفْرِيجِ كُرَبِنَا، وَتَحْوِيلِ حَالِنَا إلى أَحْسَنِ حَالٍ يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الأحد: 1/ شوال /1441هـ، الموافق: 24/ أيار / 2020م

 2020-05-23
 3285
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 174 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 174
10-05-2024 342 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 342
02-05-2024 581 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 581
26-04-2024 538 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 538
19-04-2024 835 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 835
12-04-2024 1557 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1557

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414950316
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :