718ـ خطبة العيد: العيد في الإسلام

718ـ خطبة العيد: العيد في الإسلام

718ـ خطبة العيد: العيد في الإسلام

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: هَا هِيَ أُمَّةُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْتَقْبِلُ عِيدَ الأَضْحَى عِيدَ النَّحْرِ، وَقَلْبُهَا مَحْزُونٌ للوَاقِعِ المَرِيرِ بِسَبَبِ غَلَاءِ الأَسْعَارِ وَنُزُولِ البَلَاءِ.

وَلَكِنَّ الأَمَلَ بِاللهِ عَظِيمٌ، لِأَنَّ اللهَ تعالى مَا عَوَّدَنَا دَوَامَ الشِّدَّةِ مَعَ قِلَّةِ شُكْرِنَا وَقِلَّةِ صَبْرِنَا، فَلِلَّهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: قَالُوا قَدِيمًا: مَنْ أَرَادَ مَعْرِفَةَ أَخْلَاقِ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ فَلْيُرَاقِبْهَا في أَعْيَادِهَا، لِأَنَّ سَجَايَاهَا تَنْطَلِقُ في أَعْيَادِهَا عَلَى فِطْرَتِهَا، وَتَبْرُزُ العَوَاطِفُ وَالمُيُولُ وَالعَادَاتُ عَلَى حَقِيقَتِهَا.

المُجْتَمَعُ السَّعِيدُ الصَّالِحُ هُوَ الذي تَسْمُو أَخْلَاقُهُ في العِيدِ إلى أَرْفَعِ ذُرْوَةٍ، وَتَمْتَدُّ فِيهِ مَشَاعِرُ الإِخَاءِ إلى أَبْعَدِ مَدًى، حَيْثُ يَبْدُو في العِيدِ المُجْتَمَعُ مُتَمَاسِكًا مُتَعَاوِنًا مُتَرَاحِمًا، تَخْفِقُ فِيهِ القُلُوبُ بِالحُبِّ وَالوُدِّ وَالبِرِّ وَالصَّفَاءِ.

العِيدُ في الإِسْلَامِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ العِيدَ الحَقِيقِيَّ في الإِسْلَامِ يَعْنِي الخَلَاصَ مِنْ إِغْوَاءِ شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ، يَعْنِي السَّعْيَ وَرَاءَ طَاعَةِ اللهِ تعالى وَمَرْضَاتِهِ، يَعْنِي الطَّمَعَ بِمَا عِنْدَ اللهِ تعالى مِنْ زَحْزَحَةٍ عَنِ النَّارِ، وَدُخُولِ الجَنَّةِ.

العِيدُ الحَقِيقِيُّ لَا كَمَا يَتَصَوَّرُهُ بَعْضُ النَّاسِ، انْطِلَاقًا وَرَاءَ الشَّهَوَاتِ، وَحَلًّا لِزِمَامِ الأَخْلَاقِ، وَتَفَسُّحًا عَلَى شَوَاطِئِ البِحَارِ، وَاخْتِلَاطًا بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَتَبَرُّجًا وَسُفُورًا، وَضَيَاعًا للفَرَائِضِ، وَتَرْكًا للوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: هُنَاكَ بَعْضُ النَّاسِ مَنْ تَطْغَى عَلَيْهِ فَرْحَةُ العِيدِ، فَتَسْتَبِدُّ بِمَشَاعِرِهِ وَوُجْدَانِهِ لِدَرَجَةٍ تُنْسِيهِ وَاجِبَ الشُّكْرِ وَالاعْتِرَافِ بِالنِّعَمِ، وَتَدْفَعُهُ إلى الزُّهُوِّ وَالإِعْجَابِ بِالنَّفْسِ وَالتَّبَاهِي وَالتَّكَبُّرِ وَالتَّعَالِي.

يَا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ في أَعْيَادِكُمْ، وَلَا تَجْعَلُوهَا أَيَّامَ مَعْصِيَةٍ للهِ تعالى، لَا تَتْرُكُوا فِيهَا الوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنَ، وَلَا تَتَسَاهَلُوا في المُنْكَرَاتِ، وَلْنَحْذَرْ جَمِيعًا مِنْ سَخَطِ اللهِ تعالى.

يَا عِبَادَ اللهِ: اجْعَلُوا أَعْيَادَكُمْ عِبَادَةً، وَطَاعَةً وَتَوْبَةً وَأَخْلَاقًا مَرْضِيَّةً، وَمَوْسِمًا لِزِيَادَةِ الحَسَنَاتِ، وَخَاصَّةً صِلَةَ الأَرْحَامِ، وَتَذَكَّرُوا قَوْلَه تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في يَوْمِ عِيدِ النَّحْرِ التَّقَرُّبُ إلى اللهِ تعالى بِالأُضْحِيَةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا».

اجْعَلُوا أُضْحِيَتَكُمْ في اليَوْمِ الأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ العِيدِ، لِتَنَالُوا السَّبْقَ، وَتَتَحَقَّقُوا بِـ ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾.

وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ الذَّبْحِ أُمُورٌ:

البَسْمَلَةُ وَالتَّكْبِيرُ بِقَوْلِ: بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ؛ ثُمَّ التَّكْبِيرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ثُمَّ الدُّعَاءُ بِالقَبُولِ الذي عَلَّمَنَا إِيَّاهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ للذي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ، وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ؛ اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ).

ثُمَّ يَقُولُ: هَذَا عَنِّي، بِسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ؛ ثُمَّ يَذْبَحُ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا للتَّقَرُّبِ إِلَيْكَ بِالأَضَاحِي، وَنَسْأَلُكَ يَا مَوْلَانَا أَنْ تَصْرِفَ عَنَّا الغَلَاءَ وَالبَلَاءَ وَالوَبَاءَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 10/ ذو الحجة /1441هـ، الموافق: 31/تموز / 2020م

 2020-07-29
 1748
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 175 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 175
10-05-2024 342 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 342
02-05-2024 581 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 581
26-04-2024 539 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 539
19-04-2024 835 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 835
12-04-2024 1558 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1558

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414950745
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :