696ـ خطبة الجمعة: لنكن على حذر شديد

696ـ خطبة الجمعة: لنكن على حذر شديد

696ـ خطبة الجمعة: لنكن على حذر شديد

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا عِبَادَ اللهِ: كُلُّ نِعْمَةٍ لَا تُقَرِّبُ مِنَ اللهِ تعالى فَهِيَ نِقْمَةٌ، وَالشُّكْرُ للهِ تعالى عَلَى نِعَمِهِ هُوَ الحَافِظُ لَهَا، وَالجَالِبُ للنِّعَمِ المَفْقُودَةِ، يَقُولُ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إِنَّ النِّعْمَةَ مَوْصُولَةٌ بِالشُّكْرِ، وَالشُّكْرُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَزِيدِ، وَهُمَا مَقْرُونَانِ فِي قَرْنٍ، وَلَنْ يَنْقَطِعَ الْمَزِيدُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ الْعَبْدِ. رواه البيهقي.

فَمَا مِنْ عَبْدٍ أَو جَمَاعَةٍ، أَو أُمَّةٍ أَكْرَمَهَا اللهُ تعالى بِنِعْمَةٍ ثُمَّ شَكَرُوا اللهَ تعالى عَلَيْهَا إِلَّا آتَاهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَأَجَلَّ وَأَتَمَّ، وَأَمَّا إِذَا ضَيَّعُوا الشُّكْرَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى تِلْكَ النِّعْمَةِ اسْتَدْرَجَهُمُ اللهُ تعالى.

يَقُولُ سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: إِنَّ اللهَ لَيُمَتِّعُ بِالنِّعْمَةِ مَا شَاءَ، فَإِذَا لَمْ يُشْكَرْ قَلَبَهَا عَلَيْهِمْ عَذَاباً. رواه ابن أبي الدنيا.

وَإِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ يُوَالِي عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ، قَالَ تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾. قَالَ سُفْيَانُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: يُسْبِغُ عَلَيْهِمُ النِّعَمَ، وَيَمْنَعُهُمُ الشُّكْرَ.

لِنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ شَدِيدٍ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ مَرَّتْ عَلَيْنَا سَنَوَاتٌ ذُقْنَا فِيهَا الجُوعَ وَالخَوْفَ وَالمَسْغَبَةَ، وَهَا هِيَ نِعْمَةُ الأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالاسْتِقْرَارِ تُرَفْرِفُ عَلَيْنَا، فَلْنَكُنْ عَلَى حَذَرٍ شَدِيدٍ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ النِّعْمَةُ اسْتِدْرَاجاً لَنَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: النِّعْمَةُ التي يَسُوقُهَا اللهُ تعالى لِأُمَّةٍ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَامَةً عَلَى الرِّضَا مِنَ اللهِ تعالى، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾.

وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَامَةَ غَضَبٍ وَقَعَتْ مِنَ اللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾.

لِذَلِكَ يُحَذِّرُنَا سَيِّدِي ابْنُ عَطَاءِ اللهِ السَّكَنْدَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: خَفْ مِنْ وُجُودِ إِحْسَانِهِ إِلَيْكَ وَدَوَامِ إِسَاءَتِكَ مَعَهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجاً لَكَ ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

روى الإمام أحمد عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ» ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾.

جَاءَ في كِتَابِ الزُّهْدِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَكَمْ مِنْ مَفْتُونٍ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَكَمْ مِنْ مَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا لَسَعَادَةِ العَبْدِ الشَّاكِرِ، فَإِنَّهُ يَعِيشُ في اطْمِئْنَانٍ وَنَعِيمٍ وَيَقِينٍ وَهُوَ قَرِيرُ العَيْنِ، فَهُوَ رَاضٍ عَنْ رَبِّهِ تَمَامَ الرِّضَا، لِمَا يَرَاهُ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَتْرَا عَلَيْهِ بُكْرَةً وَعَشِيّاً، مِمَّات يَمْلَأُ قَلْبَهُ حُبّاً للهِ تعالى، وَرَجَاءً فِيهِ، وَيَقِيناً في رَحْمَتِهِ، وَاطْمِئْنَاناً إلى لُطْفِهِ وَفَضْلِهِ، وَطَمَعاً في جُودِهِ وَكَرَمِهِ.

أَمَّا العَبْدُ الجَاحِدُ الذي يُقَابِلُ نِعْمَةَ اللهِ تعالى بِمَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَهْدَأُ لَهُ بَالٌ، وَلَا يَرْتَاحُ لَهُ قَلْبٌ وَلَا ذِهْنٌ وَإِنْ كَابَرَ وَتَظَاهَرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللهَ تَوَعَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾. وَمِنَ العَذَابِ حَيَاةُ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ، وَذَلِكَ تَصْدِيقاً لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَـحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.

يَا أَهْلَ هَذَا البَلَدِ الحَبِيبِ، تَذَكَّرُوا قَوْلَ سَيِّدِنَا سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَتَدَبَّرُوا قَوْلَهُ حِينَ عَبَّرَ عَنْ هَذِهِ السَّعَادَةِ النَّفْسِيَّةِ خَيْرَ تَعْبِيرٍ وَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ تعالى عَلَيْهِ بِعَرْشِ بِلْقِيسَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾.

وَتَذَكَّرُوا وَتَدَبَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ للهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الشَّاكِرِينَ لِنِعَمِكَ، وَخَاصَّةً نِعْمَةَ الأَمْنِ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الكَافِرِينَ بِهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 4/ رجب /1441هـ، الموافق: 28/ شباط / 2020م

 2020-02-28
 3476
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 177 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 177
10-05-2024 342 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 342
02-05-2024 581 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 581
26-04-2024 539 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 539
19-04-2024 836 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 836
12-04-2024 1559 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1559

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414951403
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :