766ـ خطبة الجمعة: فضائل العفة

766ـ خطبة الجمعة: فضائل العفة

766ـ خطبة الجمعة: فضائل العفة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ رَغَّبَ شَرْعُنَا الحَنِيفُ في الزَّوَاجِ، لِأَنَّهُ عِفَّةٌ وَوِقَايَةٌ، روى الشيخان عَنْ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».

وَأَوْجَبَ شَرْعُنَا الحَنِيفُ تَزْوِيجَ الوَلَدِ وَالبِنْتِ مَتَى بَلَغَا، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾.

وَإِذَا كَانَ الأَبَوَانِ غَنِيَّيْنِ وَكَانَ الوَلَدُ فَقِيرًا وَهُوَ بِحَاجَةٍ إلى الزَّوَاجِ، وَلَمْ يُزَوِّجَاهُ، فَهُمَا آثِمَانِ.

عِلَاجُ العَاجِزِ عَنِ الزَّوَاجِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا كَانَ الشَّابُّ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى الزَّوَاجِ، وَأَبَوَاهُ فَقِيرَيْنِ، فَلَا يَسَعُ هَذَا الشَّابَّ إِلَّا قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾. فَهَذَا أَمْرٌ رَبَّانِيٌّ يَحْمِلُ في طَيَّاتِهِ بِشَارَةَ الغِنَى؛ لَقَدْ أَمَرَهُ اللهُ تعالى بِالعِفَّةِ وَالصَّبْرِ، وَعَدَمِ الانْغِمَاسِ في الشَّهَوَاتِ وَالتَّعَرُّضِ لَهَا، وَوَعَدَهُ بِالغِنَى ﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾.

وَقَوْلُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». أَيْ: حَافِظٌ لَهُ مِنَ الوُقُوعِ في الحَرَامِ، وَكَاسِرٌ للشَّهْوَةِ، وَهَذَا هُوَ العِلَاجُ فَحَسْبُ، كَمَا أَرْشَدَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَضَائِلُ العِفَّةِ:

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا، يَا مَنْ لا تَجِدُونَ سَبِيلًا للزَّوَاجِ، عَلَيْكُمْ بِالعِفَّةِ وَالاسْتِعْفَافِ حَتَّى يَجْعَلَ اللهُ تعالى لَكُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَاعْلَمُوا أَنَّ للعِفَّةِ فَضَائِلَ جَسِيمَةً وَثَمِينَةً، فَلَا تُفَرِّطُوا فِيهَا:

أولًا: العِفَّةُ سَبِيلُ الفَلَاحِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَ تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾. فَيَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا، حَافِظُوا عَلَى فُرُوجِكُمْ، وَاحْذَرُوا الزِّنَا وَاللَّوَاطَةَ وَالعَادَةَ السِّرِّيَّةَ، إِنْ أَرَدْتُمْ فَلَاحَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

ثانيًا: العِفَّةُ سَبَبٌ لِمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ، قَالَ تعالى: ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.

ثالثًا: العِفَّةُ تَلْبِيَةٌ لِنِدَاءِ رَبِّكُمُ القَائِلِ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾.

رابعًا: العِفَّةُ مِفْتَاحُ الغِنَى، قَالَ تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾.

خامسًا: بِالعِفَّةِ تَبْلُغُ دَرَجَاتِ الكَمَالِ، قَالَ تعالى في حَقِّ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾.

وَقَالَ تَبَارَكَ وتعالى في حَقِّ السَّيِّدَةِ مَرْيَمَ: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾.

سادسًا: بِالعِفَّةِ تُخَالِفُ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الهَلَاكِ، قَالَ تعالى: ﴿وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا﴾.

سابعًا: بِالعِفَّةِ تَضْمَنُ جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ» رواه الإمام البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ» رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا، العِفَّةُ تَاجٌ وَعِزَّةٌ وَكَرَامَةٌ، وَالنَّاسُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَفْتَخِرُونَ بِالعَفَافِ، فَهَذَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ أَبِي عِنْدَ المَوْتِ فَبَكَيْتُ.

فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، مَا يُبْكِيكَ؟ فَمَا أَتَى أَبُوكَ بِفَاحِشَةٍ قَطُّ.

نَعَمْ، لَقَدْ كَانَ يَفْخَرُ بِذَلِكَ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِ المَوْتِ، بِأَنَّهُ عَاشَ عَفِيفًا طَوَالَ عُمُرِهِ، فَأَيُّ افْتِخَارٍ هَذَا!! وَأَيُّ مَعْنًى سَامٍ هَذَا!!

يَا شَبَابَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا، يَا مَنْ لَا يَجِدُ سَبِيلًا للزَّوَاجِ، وَلَا يَجِدُ مُعِينًا لَهُ عَلَى الزَّوَاجِ، اثْبُتُوا عَلَى العَفَافِ، حَتَّى تَصِلُوا إلى دَارِ السَّعَادَةِ، تَجَاوَزُوا جَمِيعَ المُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَاذْكُرُوا الحَدِيثَ الشَّرِيفَ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ».

اللَّهُمَّ هَيِّئْ لِشَبَابِ هَذِهِ الأُمَّةِ وَشَابَّاتِهَا مِنْ أَمْرِهِمْ رَشَدًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 7/ ذو القعدة /1442هـ، الموافق: 18/حزيران / 2021م

 2021-06-18
 2973
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 167 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 167
10-05-2024 338 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 338
02-05-2024 578 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 578
26-04-2024 537 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 537
19-04-2024 833 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 833
12-04-2024 1555 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1555

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414948942
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :