773ـ خطبة الجمعة: كونوا حريصين على نعمة الدين

773ـ خطبة الجمعة: كونوا حريصين على نعمة الدين

773ـ خطبة الجمعة: كونوا حريصين على نعمة الدين

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: لِمَاذَا ضِيقُ الصَّدْرِ وَالقَلَقُ وَتَشَتُّتُ الأَفْكَارِ وَالهَمُّ وَالحُزْنُ بِسَبَبِ الظُّرُوفِ الرَّاهِنَةِ التي تَمُرُّ عَلَيْكُمْ؟

أَمَا تَرَوْنَ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِأَنْ شَرَحَ صُدُورَكُمْ للإِسْلَامِ، وَجَعَلَكُمْ مِنْ أُمَّةِ خَيْرِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَآلِهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟ أَمَا تَرَوْنَ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ حَيْثُ أَنْشَأَكُمْ في بِيئَةٍ مُسْلِمَةٍ، تَقْرَأُ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَسْمَعُ حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ أَمَا تَرَوْنَ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ أَنَّكُمْ في بِيئَةٍ تُقَامُ فِيهَا الصَّلَوَاتُ، وَيُدْعَى إِلَيْهَا بِالأَذَانِ بِأَعْلَى الأَصْوَاتِ؟

يَا عِبَادَ اللهِ: اشْكُرُوا اللهَ تعالى عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ، وَذَلِكَ بِالتَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَّا لَتُسْلَبَنَّ عَنْكُمْ هَذِهِ النِّعْمَةُ، وَيَحُلَّ بَدَلَهَا مَا يُسْخِطُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا حَصَلَ في كَثِيرٍ مِنَ الدُّوَلِ، وَأَنْتُمْ تُشَاهِدُونَ هَذَا بِأَعْيُنِكُمْ.

تَحَوُّلُ النِّعَمِ وَاسْتِبْدَالُهَا بِضِدِّهَا:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ جَرَتْ سُنَّةُ اللهِ تعالى في خَلْقِهِ أَنْ يُحَوِّلَ النِّعَمَ إلى أَضْدَادِهَا إِذَا لَمْ تُشْكَرِ النِّعَمُ، فَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ اللهَ تعالى عَلَى نِعْمَةِ الأَمْنِ أَبْدَلَهُ اللهُ تعالى بِالخَوْفِ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ اللهَ تعالى عَلَى نِعْمَةِ الرِّزْقِ أَبْدَلَهُ اللهُ تعالى بِالجُوعِ، وَصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.

أَمَا تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَةَ انْطَبَقَتْ عَلَيْنَا جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا؟

لَقَدْ كَفَرَ الكَثِيرُ بِنِعْمَةِ الأَمْنِ، فَعَصَى اللهَ تعالى جِهَارًا نَهَارًا، وَلَمْ يَرعَوِ، وَإِذَا ذُكِّرَ بِنِعْمَةِ الأَمْنِ وَوُجُوبِ الشُّكْرِ عَلَيْهَا سَخِرَ مِنَ المُذَكِّرِ؛ وَلَقَدْ كَفَرَ الكَثِيرُ بِنِعْمَةِ المَالِ، فَعَصَى اللهَ تعالى فِيهَا جِهَارًا نَهَارًا، وَلَمْ يَرعَوِ، وَإِذَا ذُكِّرَ بِنِعْمَةِ المَالِ وَوُجُوبِ الشُّكْرِ عَلَيْهَا سَخِرَ مِنَ المُذَكِّرِ؛ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ نِعْمَةَ البَصَرِ وَاللِّسَانِ وَنِعْمَةَ السَّمْعِ وَالفُؤَادِ؛ لَقَدْ كَفَرَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ بِهَذِهِ النِّعَمِ فَتَحَوَّلَتْ إلى نِقَمٍ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، حَتَّى عَاشَ هَؤُلَاءِ حَيَاةَ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ، وَصَدَقَ فِيهِمْ قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾. وَقَوْلُ اللهِ تعالى فِيهِمْ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. وَقَوْلُ اللهِ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾.

كُونُوا حَرِيصِينَ عَلَى نِعْمَةِ الدِّينِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: وَكَمَا يُحَوِّلُ اللهُ نِعْمَةَ الأَمْنِ إلى خَوْفٍ، وَنِعَمَتَيِ الرِّزْقِ وَالمَالِ إلى جُوعٍ، إِذَا لَمْ يُشْكَرْ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَلَى هَذِهِ النِّعَمِ، كَذَلِكَ يُحَوِّلُ نِعْمَةَ الإِيمَانِ لَا قَدَرَ اللهُ إلى كُفْرٍ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾.

أَعَزُّ مَا يُنْتَمَى إِلَيْهِ هَذَا الدِّينُ الحَنِيفُ الذي رَضِيَهُ اللهُ تعالى لَنَا ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. لَقَدْ رَضِيَ اللهُ تعالى لَنَا الإِسْلَامَ دِينًا، وَيَأْبَى بَعْضُ النَّاسِ إِلَّا غَيْرَهُ؛ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بِالإِسْلَامِ دِينًا فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ إلى سَخَطِ اللهِ تعالى، وَسَلَّطَ عَلَيْهِ إِخْوَانَ القِرَدَةِ وَالخَنَازِيرِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا أَذَاقَنَا اللهُ تعالى لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كُنَّا نَصْنَعُ، فَعَلَيْنَا بِالإِسْرَاعِ إلى التَّوْبَةِ وَالإِنَابَةِ وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ تَبَارَكَ وتعالى، لَعَلَّ اللهَ تعالى يُعِيدُ إِلَيْنَا نِعْمَةَ الأَمْنِ وَسَعَةَ الرِّزْقِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَارَ الخَطَرُ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى عَلَى نِعْمَةِ الدِّينِ أَنْ تُسْلَبَ.

اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفي الآخِرَةِ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 20/ ذو الحجة /1442هـ، الموافق: 30/تموز / 2021م

 2021-07-30
 3903
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 167 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 167
10-05-2024 332 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 332
02-05-2024 578 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 578
26-04-2024 537 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 537
19-04-2024 833 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 833
12-04-2024 1555 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1555

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414948478
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :