753ـ خطبة الجمعة: «وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ»

753ـ خطبة الجمعة: «وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ»

753ـ خطبة الجمعة: «وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ»

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: الحِقْدُ مَرَضٌ عُضَالٌ مِنْ أَمْرَاضِ القَلْبِ، يُخْشَى مَعَهُ مِنْ أَنْ يَتَسَرَّبَ الإِيمَانُ مِنْ هَذَا القَلْبِ المَرِيضِ؛ الحِقْدُ نَزْغٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَّا مَنْ خَفَّ حِلْمُهُ، وَطَاشَ عَقْلُهُ؛ الحِقْدُ يُفْضِي إلى التَّنَازُعِ وَالتَّقَاتُلِ وَالتَّحَاسُدِ وَالتَّبَاغُضِ وَالتَّقَاطُعِ، وَيَجْعَلُ عُمُرَ الإِنْسَانِ في غَمٍّ وَكَرْبٍ وَحُزْنٍ؛ الحِقْدُ يُغْضِبُ الرَّبَّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَيُودِي بِصَاحِبِهِ إلى الخُسْرَانِ المُبِينِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

الحَاقِدُ عَبْدٌ جَاهِلٌ بِرَبِّهِ وَبِسُنَّتِهِ في هَذَا الكَوْنِ، وَهُوَ قَلِقُ النَّفْسِ دَائِمًا لَا يَهْدَأُ لَهُ بَالٌ؛ الحَاقِدُ أَفْسَدَ قَلْبَهُ السَّلِيمَ، وَجَعَلَهُ مَرِيضًا، وَفي ذَلِكَ الخُسْرَانُ المُبِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

«وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ»:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَا هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَطَلَّتْ عَلَيْنَا، وَيُعَلِّمُنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللهَ تعالى يَطَّلِعُ في هَذِهِ اللَّيْلَةِ عَلَى عِبَادِهِ، فَيَغْفِرُ للمُسْتَغْفِرِينَ، وَيَرْحَمُ المُسْتَرْحِمِينَ، وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الحِقْدِ حَتَّى يَتُوبُوا.

روى البيهقي أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ قُبِضَ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُمْتُ حَتَّى حَرَّكْتُ إِبْهَامَهُ فَتَحَرَّكَ، فَرَجَعْتُ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ ـ أَوْ يَا حُمَيْرَاءُ ـ ظَنَنْتِ أَنَّ النَّبِيَّ خَاسَ بِكِ؟».

قُلْتُ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ قُبِضْتَ لِطُولِ سُجُودِكَ.

فَقَالَ: «أَتَدْرِينَ أَيَّ لَيْلَةٍ هَذِهِ؟».

قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: «هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَطْلُعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ، وَيَرْحَمُ المُسْتَرْحِمِينَ، وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ».

وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَطْلُعُ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْهِلُ الْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ».

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَثْنَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ، وَمَدَحَهُمْ في كِتَابِهِ العَظِيمِ، وَوَعَدَهُمْ بِالجَنَّةِ، فَقَالَ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

وَلَقَدْ ضَرَبَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَثَلًا رَائِعًا عَالِيًا في رَفْضِ الحِقْدِ وَالغِلِّ عَنْ نَفْسِهِ تُجَاهَ إِخْوَتِهِ الذينَ فَعَلُوا بِهِ مَا فَعَلُوا، فَقَالَ لَهُمْ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: سَلَامَةُ الصَّدْرِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفَضْلُهَا كَبِيرٌ، روى ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟

قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ».

قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟

قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ».

وروى الترمذي عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ».

ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ».

فَيَا عِبَادَ اللهِ: تَسَامَحُوا، وَتَصَالَحُوا، وَتَصَافَحُوا قَبْلَ مَجِيءِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، لَعَلَّ اللهَ تعالى يَغْفِرُ لَنَا ويَرْحَمُنَا.

اللَّهُمَّ طَهِّرْ قُلُوبَنَا وَأَلْسِنَتَنَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الذينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 12/ شعبان /1442هـ، الموافق: 26/آذار / 2021م

 2021-03-25
 4804
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 167 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 167
10-05-2024 338 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 338
02-05-2024 578 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 578
26-04-2024 537 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 537
19-04-2024 833 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 833
12-04-2024 1555 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1555

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414948770
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :