807ـ خطبة الجمعة: أطعموا الطعام في شهر رمضان

807ـ خطبة الجمعة: أطعموا الطعام في شهر رمضان

807ـ خطبة الجمعة: أطعموا الطعام في شهر رمضان

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: يُطِلُّ عَلَيْكُمْ بَعْدَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ شَهْرٌ كَرِيمٌ، وَمَوْسِمٌ عَظِيمٌ، خَصَّهُ اللهُ تعالى عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ بِالتَّشْرِيفِ وَالتَّكْرِيمِ، أَنْزَلَ اللهُ تعالى فِيهِ القُرْآنَ العَظِيمَ، وَالذِّكْرَ الحَكِيمَ، وَفَرَضَ صِيَامَهُ عَلَى أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَهُ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الإسْلَامِ التي لَا يَقُومُ عَلَى غَيْرِهَا وَلَا يَسْتَقِيمُ؛ وَسَنَّ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قِيَامَهُ، فَهُوَ شَهْرُ الخَيْرَاتِ وَالبَرَكَاتِ، وَشَهْرُ إِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ، لِمَنْ طَابَ مَطْعَمُهُ، وَاسْتَجَابَ لِنِدَاءِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ شَهْرُ إِقَالَةِ العَثَرَاتِ، وَمُضَاعَفَةِ الحَسَنَاتِ، وَشَهْرُ الإِفَاضَاتِ وَالنَّفَحَاتِ، وَشَهْرُ إِعْتَاقِ الرِّقَابِ مِنَ المُوبِقَاتِ؛ الفَرِيضَةُ فِيهِ تَعْدِلُ سَبْعِينَ فَرِيضَةً، وَالنَّافِلَةُ تَعْدِلُ الفَرِيضَةَ.

اغْتِنَامُ المَوَاسِمِ المُبَارَكَةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَا ذَوِي العُقُولِ السَّلِيمَةِ، وَالهِمَمِ العَالِيَةِ، وَالمَطَالِبِ الرَّفِيعَةِ السَّامِيَةِ، اغْتَنِمُوا أَوْقَاتَ شَهْرِ رَمَضَانَ بِالجِدِّ قَبْلَ فَوَاتِهَا، وَاعْزِمُوا عَلَى هَجْرِ البَطَالَاتِ في هَذَا الشَّهْرِ العَظِيمِ الذي فَضَّلَهُ اللهُ تعالى عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ.

اغْتَنِمُوا هَذَا الشَّهْرَ صِيَامًا وَقِيَامًا وَتِلَاوَةً للقُرْآنِ العَظِيمِ، وَدُعَاءً، وَإِطْعَامًا للطَّعَامِ.

فَشَهْرُ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ القُرْآنِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ تِلَاوَةِ القُرْآنِ، وَهُوَ شَهْرُ إِطْعَامِ الطَّعَامِ، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَتَقَرَّبُونَ إلى اللهِ تعالى بِإِطْعَامِ الطَّعَامِ للصَّائِمِينَ طَمَعًا في الأَجْرِ «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَالْتِزَامًا بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾.

أَطْعِمُوا فِيهِ الطَّعَامَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: تَنَافَسُوا بِالتَّقَرُّبِ إلى اللهِ تعالى بِإِطْعَامِ الطَّعَامِ لِمَنْ يَحْسَبُهُمُ الجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ، أَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَلَا تَجْعَلُوهُ مِنَ الزَّكَاةِ، اجْعَلُوهُ مِنْ بَابِ الصَّدَقَاتِ، طَمَعًا في دُخُولِ الجَنَّةِ، رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ».

ابْحَثُوا بِأَنْفُسِكُمْ عَنِ الجِيَاعِ، فَوَاللهِ إِنَّ هُنَاكَ مَنْ يَبْحَثُ عَنِ الطَّعَامِ في القُمَامَاتِ، وَهُنَاكَ أُمَّهَاتٌ يَنْظُرْنَ إلى أَبْنَائِهِنَّ الرُّضَّعِ وَلَا تَجِدُ الوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ قَطْرَةَ لَبَنٍ في ثَديِهَا.

بِاللهِ عَلَيْكُمْ يَا مَنْ سَتَفْرِشُونَ المَوَائِدَ بِمَا لَذَ وَطَابَ، وَيَا مَنْ تَغُصُّونَ إِذَا نَقَصَ شَيْءٌ مِنْ أَصْنَافِ الطَّعَامِ، تَذَكَّرُوا قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا»

لَا تَبْخَلُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾.

تَذَكَّرُوا الجِيَاعَ، وَالمَرْضَى؛ نَحْنُ نَعِيشُ في زَمَنِ الغَلَاءِ مَعَ قِلَّةِ اليَدِ، شَهْرُ رَمَضَانَ يُذَكِّرُكُمْ إِذَا جِعْتُمْ وَعَطِشْتُمْ بِالفُقَرَاءِ.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: بَعْدَ أَيَّامٍ سَتَسْقَبِلُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَاتَّقُوا اللهَ تعالى فِيهِ حَقَّ تَقْوَاهُ، فَلَا يَفْتَقِدُكُمْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ، وَلَا يَرَاكُمْ حَيْثُ نَهَاكُمْ، وَتَزَوَّدُوا مِنْ دُنْيَاكُمْ لِآخِرَتِكُمْ، وَاحْرِصُوا عَلَى مَا يُقَرِّبُكُمْ مِنْ خَالِقِكُمْ وَمَوْلَاكُمْ، فَإِنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ المُحْسِنِينَ.

أَعْمَارُنَا قَصِيرَةٌ، وَقَدِ اقْتَرَبْنَا مِنْ نِهَايَةِ آجَالِنَا، فَلْنَغْتَنِمْ هَذِهِ المَحَطَّةَ الإِيمَانِيَّةَ ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾.

لَقَدِ اغْتَنَمَهَا العُقَلَاءُ فَنَجَوْا وَفَازُوا، وَأَهْمَلَهَا الغَافِلُونَ فَخَابُوا وَخَسِرُوا.

جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ النَّاجِينَ الفَائِزِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 22/شعبان /1443هـ، الموافق: 25/ آذار / 2022م

 2022-03-25
 3290
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 165 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 165
10-05-2024 331 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 331
02-05-2024 577 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 577
26-04-2024 537 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 537
19-04-2024 833 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 833
12-04-2024 1553 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1553

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414946896
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :