865ـ خطبة الجمعة: لازموا الاستغفار بعد أداء الطاعات

865ـ خطبة الجمعة: لازموا الاستغفار بعد أداء الطاعات

865ـ خطبة الجمعة: لازموا الاستغفار بعد أداء الطاعات

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ عَجَلَةَ الأَيَّامِ تَدُورُ بِسُرْعَةٍ مُذْهِلَةٍ، وَتَسِيرُ بِخُطًى حَثِيثَةٍ، لَا تَكَلُّ وَلَا تَمَلُّ، وَلَا تَتَوَقَّفُ لَحْظَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى سُرْعَةِ انْقِضَاءِ العُمُرِ وَذَهَابِهِ؛ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي تَتَوَالَى، وَالشُّهُورُ وَالأَعْوَامُ تَتَعَاقَبُ وَتَتَوَارَى وَتَمْضِي سَرِيعَةً؛ الأَيَّامُ وَاللَّيَالِي شَاهِدَةٌ عَلَى الإِنْسَانِ فِيمَا قَدَّمَ مِنْ أَعْمَالٍ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، قَالَ تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾. قَالَ تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.

سَــيَـصِـيرُ الْمَرْءُ يَـــوْمًا   ***   جَــسَدًا مَا فِـيهِ رُوحُ

بَــيـنَ عَـيْنَيْ كُلِّ حَــيٍّ   ***   عَــلَمُ الْمَوتِ يَـــلُوحُ

كُـلُّنا في غَـفْــلَــةٍ وَالْــ    ***   ـمَوتُ يَغُدُو وَيَرُوحُ

نُحْ عَلَى نَفْسِكَ يَا مِسْكِـ    ***   ـينُ إِنْ كُنْتَ تَـــنُوحُ

لَـتَــمُــوتَنَّ وَلَــوْ عُـمِّـ   ***   ـرْتَ مَا عُمِّرَ نُـــوحُ

يَا عِبَادَ اللهِ: هَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَدْ رَحَلَ، شَاهِدًا لَنَا أَو عَلَيْنَا، فَمَنْ قَدَّمَ فِيهِ صَالِحًا وَوُفِّقَ لِعَمَلِ الخَيْرِ فِيهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ تعالى، وَلْيَشْكُرْهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلْيَسْأَلْهُ المَزِيدَ، وَالثَّبَاتَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَزِيدٍ مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ، حَتَّى يُخْتَمَ لَهُ بِذَلِكَ، لِينْدَرِجَ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾.

الخِتَامُ الحَسَنُ بِالخَاتِمَةِ الحَسَنَةِ، وَالمَوْتِ عَلَى مَا يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.

وَمَنْ فَرَّطَ فِي أَيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ، وَسَوَّفَ وَأَجَّلَ، وَأَصَرَّ وَعَانَدَ، وَمَلَأَ قَلْبَهُ بِالغَفْلَةِ وَاللَّهْوِ، فَلْيُبَادِرْ إلى التَّوْبَةِ فَمَا زَالَ بَابُ التَّوْبَةِ مَفْتُوحًا، قَبْلَ أَنْ تَقَعَ رُوحُهُ في الغَرْغَرَةِ، فَإِنْ وَقَعَتْ رُوحُهُ في الغَرْغَرَةِ، فَلَا تَنْفَعُهُ تَوْبَةٌ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ».

وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾.

شَهْرُ الصِّيَامِ مَضَى وَاجْتَازَ وَانْصَرَمَا   ***   وَاخْتَصَّ بِالفَوْزِ بِالجَنَّاتِ مَنْ خَدَمَا

وَأَصْـبَحَ الـغَافِلُ المِسْكِينُ مُـنْكَسِرًا   ***   مِــثْلِي، فَــيَا وَيْحَهُ يَـا عُظْمَ مَا حُرِمَا

مَنْ فَاتَهُ الزَّرْعُ في وَقْــتِ الـبِذَارِ فَمَا   ***   تَرَاهُ يَــحْصِدُ إِلَّا الحُزْنَ وَالنَّدَمَــــا

لَازِمُوا الاسْتِغْفَارَ بَعْدَ أَدَاءِ الطَّاعَاتِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُلَازِمَ الاسْتِغْفَارَ بَعْدَ أَدَاءِ الطَّاعَاتِ، قَالَ تَبَارَكَ وَتعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

بَعْدَ كُلِّ خَيْرٍ اسْتَغْفِرْ، لِأَنَّ اللهَ تعالى أَمَرَنَا بِالاسْتِغْفَارِ بَعْدَ أَدَاءِ الحَجِّ، قَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تعالى العَابِدِينَ الذينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا، بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَخْتِمُونَ صَلَاةَ تَهَجُّدِهِمْ بِالاسْتِغْفَارِ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾.

أَمَا كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغْفِرُ بَعْدَ صَلَاتِهِ ثَلَاثًا؟ أَمَا طُلِبَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْتِمَ عُمُرَهُ بَعْدَ تَبْلِيغِ رِسَالَةِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرُؤْيَتِهِ لِدُخُولِ النَّاسِ في دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا بِالاسْتِغْفَارِ؟

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ يَكْتُبُ إلى الأَمْصَارِ في نِهَايَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ: قُولُوا كَمَا قَالَ أَبُوكُمْ آدَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

وَقُولُوا كَمَا قَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

وَقُولُوا كَمَا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾.

وَقُولُوا كَمَا قَالَ ذُو النُّونِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: صِيَامُنَا يَحْتَاجُ إلى اسْتِغْفَارٍ، وَقِيَامُنَا يَحْتَاجُ إلى اسْتِغْفَارٍ، وَتِلَاوَتُنَا تَحْتَاجُ إلى اسْتِغْفَارٍ، لِأَنَّنَا كَمْ وَكَمْ خَرَقْنَا عِبَادَاتِنَا بِسِهَامِ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ مِنْ غِيبَةٍ وَنَمِيمَةٍ، وَقَطِيعَةِ رَحِمٍ، وَعُقُوقٍ للوَالِدَيْنِ، وَنَظَرَاتٍ لَا تُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدِ اتَّسَعَ الخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ.

يَا رَبِّ، ارْحَمْ مَنْ خَرَقَ حَسَنَاتِهِ بِالسَّيِّئَاتِ، وَطَاعَاتِهِ بِالغَفَلَاتِ، وَأَكْرِمْنَا بِنِهَايَةِ آجَالِنَا بِتَوْبَةٍ صَادِقَةٍ، رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَالْبَزَّارُ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ وَاهٍ رَاقِعٌ، فَسَعِيدٌ مَنْ هَلَكَ عَلَى رَقَعِهِ».

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 1/ شوال /1444هـ، الموافق: 21/ نيسان / 2023م

 2023-04-19
 2048
الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  خطب الجمعة

17-05-2024 172 مشاهدة
914ـ خطبة الجمعة: مهمة المسلم الإصلاح (1)

إِنَّ مُهِمَّةَ العَبْدِ المُؤْمِنِ العِبَادَةُ، وَمِنْ هَذِهِ العِبَادَةِ الإِصْلَاحُ، قَالَ تعالى حِكَايَةً عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا شُعَيْبٍ عَلَيْه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي ... المزيد

 17-05-2024
 
 172
10-05-2024 342 مشاهدة
913ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (4)

فَرِيضَةُ الحَجِّ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِالإِجْمَاعِ، وَيَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾. ... المزيد

 10-05-2024
 
 342
02-05-2024 581 مشاهدة
912ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (3)

الحَجُّ شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ دِينِنَا العَظِيمِ، فَرَضَهُ اللهُ تعالى عَلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ مَرَّةً في العُمُرِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ـ عِنْدَمَا سُئِلَ عَنِ الإِسْلَامِ ـ: ... المزيد

 02-05-2024
 
 581
26-04-2024 538 مشاهدة
911ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (2)

لَقَدْ أَكْمَلَ اللهُ تعالى وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْنَا بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ، وَعَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ تعالى عَلَيْنَا إِذْ فَرَضَ عَلَيْنَا الحَجَّ في العُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً، للمُسْتَطِيعِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنَ ... المزيد

 26-04-2024
 
 538
19-04-2024 835 مشاهدة
910ـ خطبة الجمعة: آثار الحج على النفس (1)

أَتَوَجَّهُ إلى السَّادَةِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ، لِأَقُولَ لَهُمْ: هَنيئًا لَكُمْ يَا مَنْ لَبَّيْتُمْ أَمْرَ اللهِ تعالى القَائِلِ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ ... المزيد

 19-04-2024
 
 835
12-04-2024 1556 مشاهدة
909ـ خطبة الجمعة: تعزية لمن أصيب بدينه

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ مُصِيبَةَ الدِّينِ، لِأَنَّهُ مَهْمَا عَظُمَتْ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فَسَوْفَ تَنْقَضِي، وَرُبَّمَا يُجْبَرُ صَاحِبُهَا وَيُعَوِّضُ مَا فَاتَهُ، أَمَّا مُصِيبَةُ الدِّينِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِسَعَادَةِ العَبْدِ ... المزيد

 12-04-2024
 
 1556

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3165
المكتبة الصوتية 4802
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414949981
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :