16ـ صوته الجميل   

16ـ صوته الجميل   

16ـ صوته الجميل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:

يَقُولُ سَيِّدُنَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:

وَأَجْمَلَ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي   ***   وَأَفْضَلَ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ

خُـلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ   ***   كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَـشَاءُ

صَوْتُهُ الجَمِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْدَى النَّاسِ صَوْتًا، وَأَحْسَنَهُمْ نَغْمَةً، يَطْرُقُ صَوْتُهُ الآذَانَ دُونَ ثِقَلٍ، وَيَنْسَابُ إِلَيْهَا دُونَ تَكَلُّفٍ أَوْ مَلَلٍ، حَبِيبٌ، قَرِيبٌ، جَمِيلٌ، جَلِيلٌ، مَرْغُوبٌ؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَلَقَدْ كَانَ صَوْتُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الْحُسْنِ، رَوَى الشَّيْخَانِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ بِـ التِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ في الشَّمَائِلِ عَنْ سيِّدنا أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا إِلَّا حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الصَّوْتِ، وَكَانَ نَبِيُّكُمْ أَحْسَنَهُمْ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُمْ صَوْتًا.

وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي صَوْتِهِ صَحَلٌ، قَالَتْ أُمُّ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي وَصْفِ صَوْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: كَانَ فِي صَوْتِهِ صَحَلٌ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ.

وَالصَّحَلُ: هِيَ الْبَحَّةُ الْيَسِيرَةُ وَالصَّلَابَةُ فِي الصَّوْتِ.

وَكَانَ جَمِيلَ النَّغْمَةِ ؛ قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَسَنَ النَّغْمَةِ. رَوَاهُ أَبُو الحَسَنِ بْنُ الضَّحَّاكِ، كَذَا في سُبُلِ الهُدَى وَالرَّشَادِ.

وَقَدْ أَعْطَاهُ اللهُ تَعَالَى قُدْرَةً فِي الإِسْمَاعِ، وَبُلُوغِ صَوْتِهِ الْمَسَافَاتِ الشَّاسِعَةَ، وَالأَمَاكِنَ الوَاسِعَةَ، الَّتِي لَا يَبْلُغُهَا صَوْتُ غَيْرِهِ:

رَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ قَالَ: «اجْلِسُوا».

فَسَمِعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اجْلِسُوا» فَجَلَسَ فِي بَنِي غُنْمٍ.

فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَاكَ ابْنُ رَوَاحَةَ جَالِسٌ فِي بَنِي غُنْمٍ، سَمِعَكَ وَأَنْتَ تَقُولُ لِلنَاسِ: «اجْلِسُوا».

وَرَوَى ابْنُ مَاجَه عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ وَأَنَا عَلَى عَرِيشِي. ـ أَيْ: عَلَى سَرِيرِي ـ.

فَسَمَاعُهَا ذَلِكَ ـ وَهِيَ دَاخِلَ بَيْتِهَا الْبَعِيدِ عَنْ مَكَانِ الْقِرَاءَةِ ـ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَوْتَهُ الشَّرِيفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْلُغُ مَكَانًا لَا يَبْلُغُهُ غَيْرَهُ.

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ التَّيْمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَنَحْنُ بِمِنًى فَفُتِحَتْ أَسْمَاعُنَا، حَتَّى كُنَّا نَسْمَعُ مَا يَقُولُ وَنَحْنُ فِي مَنَازِلِنَا؛ فَطَفِقَ يُعَلِّمُهُمْ مَنَاسِكَهُمْ حَتَّى بَلَغَ الْجِمَارَ، فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: «بِحَصَى الْخَذْفِ» ـ الخَذْفُ هُوَ رَمْيُكَ حَصَاةً أَو نَوَاةً، تَأُخُذُهَا بَيْنَ سَبْابَتَيْكَ ـ ثُمَّ أَمَرَ الْمُهَاجِرِينَ فَنَزَلُوا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ، وَأَمَرَ الْأَنْصَارَ فَنَزَلُوا مِنْ وَرَاءِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ نَزَلَ النَّاسَ بَعْدَ ذَلِكَ

فَسُبْحَانَ مَنْ خَصَّهُ بِالْخَصَائِصِ الْكُبْرَى، وَالآيَاتِ الْعُظْمَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

بِهَذَا الصَّوْتِ الرَّحِيمِ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» رَوَاهُ الحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

بِهَذَا الصَّوْتِ الرَّحِيمِ مَازَحَ زَاهِرًا فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟».

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذًا وَاللهِ تَجِدُنِي كَاسِدًا.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَكِنْ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ» أَوْ قَالَ ـ «لَكِنْ عِنْدَ اللهِ أَنْتَ غَالٍ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

بِهَذَا الصَّوْتِ المَحْبُوبِ قَالَ لِمُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «يَا مُعَاذُ، وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ».

فَقَالَ: «أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ» رَوَاهَ أَبُو دَاوُدَ.

بِهَذَا الصَّوْتِ المَحْبُوبِ أَرْسَلَ أُمْنِيَاتِهِ الكَرِيمَةَ الغَالِيَةَ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي».

فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ؟

فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

 بِهَذَا الصَّوْتِ الرَّحِيمِ نَصَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْعَالَمِينَ، وَوَعَظَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَرَأَ كَلَامَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَبَهَرَ الْعُلَمَاءَ وَالْبُلَغَاءَ بِكَلَامِهِ الرَّصِينِ، وَخِطَابِهِ الْمُبِينِ، وَأَسْمَعَ الْجَانَّ، وَبَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ لِبَنِي الْإِنْسَانِ.

اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أُنْسَهُ، وَأَسْمِعْنَا هَمْسَهُ. آمين.

تاريخ الكلمة

**    **    **

الأربعاء: 22/ ذو القعدة /1443هـ، الموافق: 22/ حزيران / 2022م

الملف المرفق
 
 
 

مواضيع اخرى ضمن  أجمل العالمين خَلقًا ﷺ

19-01-2024 233 مشاهدة
24ـ كفه الشريفة صلى الله عليه وسلم

كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذَا كَفٍّ عَظِيمَةٍ، مَبْسُوطَةٍ صُورَةً وَخِلْقَةً، أَلْيَنَ مِنَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ، تَمِيلُ إِلَى الْغِلَظِ وَالْقِصَر، اجْتَمَعَ لَهَا مَعَ اللِّينِ ... المزيد

 19-01-2024
 
 233
04-08-2023 239 مشاهدة
23ـ ذراعاه الشريفتان صلى الله عليه وسلم

كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ذِرَاعَانِ طَوِيلَتَانِ، فِي تَنَاسُبٍ مَعَ بَاقِي أَعْضَاءِ جَسَدِهِ الشَّرِيفِ، طَالَ زِنْدَاهَا، وَامْتَدَّ سَاعِدَاهَا، وَعَلَاهَا شَعْرٌ كَثِيفٌ. وَمِمَّا ... المزيد

 04-08-2023
 
 239
09-06-2023 271 مشاهدة
22ـ عرقه الشريف وطيب رائحته صلى الله عليه وسلم

إِنَّنَا نَتَحَدَّثُ عَنْ خَيْرِ خَلْقِ اللهِ، وَلَهُ مِنَ الْخَصَائِصِ مَا لَمْ تَكُنْ لِغَيْرِهِ، وَمِنْهَا إِفْرَازَاتُ عَرَقِهِ المُبَارَكَةِ؛ فَقِفْ عِنْدَ حُدُودِ الأَدَبِ، وَاسْتَشْعِرْ طِيبَ الْحَبِيبِ المحبَّبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 09-06-2023
 
 271
11-05-2023 373 مشاهدة
21ـ إبطه الشريفة صلى الله عليه وسلم

تَنْبِيهٌ للنَّبِيهِ: مَنْ نَتَكَلَّمُ عَنْهُ، وَنَصِفُ جَسَدَهُ وَشَكْلَهُ، هُوَ سَيِّدُ الْعَالَمِينَ، وَحَبِيبُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، حَبِيبُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى ... المزيد

 11-05-2023
 
 373
13-01-2023 250 مشاهدة
20ـ بطنه الشريف صلى الله عليه وسلم

لَمْ تَكُنْ بَطْنُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَبِيرَةً فَتَعِيبَهُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ سَوَاءً بِصَدْرِهِ. تَقُولُ السَّيِّدَةُ أُمُّ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في وَصْفِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ... المزيد

 13-01-2023
 
 250
22-12-2022 257 مشاهدة
19ـ صدره الشريف صلى الله عليه وسلم

كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَرِيضَ الصَّدْرِ، مَمْسُوحَهُ، كَأَنَّهُ المِرْآةُ فِي اسْتِوَائِهَا وَشِدَّتِهَا، وَقَدِ امْتَلَأَ الصَّدْرُ الشريف لَحْمًا؛ فَلَا هُوَ بِالْبَدِنِ السَّمِينِ، ... المزيد

 22-12-2022
 
 257

البحث في الفتاوى

الفتاوى 5613
المقالات 3162
المكتبة الصوتية 4798
الكتب والمؤلفات 20
الزوار 414622349
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد النعسان © 2024 
برمجة وتطوير :