الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَحَدِيثُ غَدِيرِ خُمٍّ، حَدِيثٌ رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللهُ تعالى، وَرَضِيَ اللهُ عَنْهُ في صَحِيحِهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَشُجَاعُ بْنُ مَخْلَدٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنِي أَبُو حَيَّانَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَحُصَيْنُ بْنُ سَبْرَةَ، وَعُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ، إِلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَلَمَّا جَلَسْنَا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، رَأَيْتَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ، وَغَزَوْتَ مَعَهُ، وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ لَقَدْ لَقِيتَ، يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، حَدِّثْنَا يَا زَيْدُ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: يَا بْنَ أَخِي، وَاللهِ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَقَدُمَ عَهْدِي، وَنَسِيتُ بَعْضَ الَّذِي كُنْتُ أَعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَمَا حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوا، وَمَا لَا فَلَا تُكَلِّفُونِيهِ.

ثُمَّ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ».

فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي».

فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ؟ يَا زَيْدُ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؟

قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ.

قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟

قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ.

قَالَ: كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟

قَالَ: نَعَمْ.

مِنْ خِلَالِ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ نَعْلَمُ مَكَانَةَ أَهْلِ البَيْتِ، وَعِظَمَ حَقِّهِمْ عَلَى الأُمَّةِ، وَقَدْ مَنَّ اللهُ تعالى عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ بِحُبِّهِمْ لِأَهْلِ البَيْتِ وَتَعْظِيمِ شَأْنِهِمْ، وَحُرْمَةِ قَدْرِهِمْ، وَهُمُ الذينَ يَحْفَظُونَ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ.

وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ أَهْلَ البَيْتِ يَدْخُلُ فِيهِمْ أَزْوَاجُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَوَّلُهُنَّ السَّيِّدَةُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَقَدْ صَرَّحَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ في القُرْآنِ العَظِيمِ، فَقَالَ: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾. وَالخِطَابُ هُنَا مُوَجَّهٌ لِنِسَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَيَصِفُهُنَّ بِأَهْلِ البَيْتِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَلَيْسَ هُنَاكَ قِصَّةٌ تُسَمَّى قِصَّةَ غَدِيرِ خُمٍّ، بَلْ هُوَ حَدِيثٌ قَالَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ غَدِيرٍ ـ مَاءٍ ـ  بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ يُسَمَّى خُمًّا، (وَالغَدِيرُ هُوَ المَاءُ). وَقَدْ أَوْصَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ في هَذَا الحَدِيثِ بأَهْلِ البَيْتِ خَيْرًا، وَمَا عَرَفَ المُسْلِمُونَ عِيدًا يُسَمَّى عِيدَ الغَدِيرِ.

وَمِنْ فَضْلِ اللهِ تعالى عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ أَنَّهُمُ انْطَبَقَ عَلَيْهِمْ مَا قَالَهُ اللهُ تعالى بَعْدَ ذِكْرِ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ: ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. فَهُمُ الذينَ يُعَظِّمُونَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُعْطُونَهُمْ حَقَّهُمْ في الاحْتِرَامِ وَالتَّقْدِيرِ وَالوَلَاءِ، كَمَا يُعَظِّمُونَ نِسَاءَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَيُعْطُونَهُنَّ حَقَّهُنَّ في الاحْتِرامِ وَالتَّقْدِيرِ وَالوَلَاءِ، كَمَا يُعَظِّمُونَ أَصْحَابَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَيُعْطُونَهُمْ حَقَّهُمْ في الاحْتِرَامِ وَالتَّقْدِيرِ وَالوَلَاءِ، لِأَنَّهُمْ وَصِيَّةُ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ: «اللهَ اللهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللهَ، وَمَنْ آذَى اللهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَمِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ تعالى عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ غِلًّا وَلَا حِقْدًا وَلَا حَسَدًا عَلَى سَلَفِ الأُمَّةِ كُلِّهَا، بَلْ يَتَرَضَّوْنَ عَنِ الجَمِيعِ، وَيَسْأَلُونَ اللهَ تعالى سَلَامَةَ الصَّدْرِ نَحْوَ جَمِيعِ خَلْقِ اللهِ تعالى لِيَنَالُوا دَرَجَةَ القُرْبِ مِنْ حَضْرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا بُنَيَّ، إِنْ قَدَرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ لَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لِأَحَدٍ فَافْعَلْ».

ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا بُنَيَّ وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ».

وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ حَرِيصُونَ عَلَى العَمَلِ للتَحَّقُّقِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا صَفَاءَ السَّرِيرَةِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.