طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَالاحْتِكَامُ إلى القَوَانِينِ الوَضْعِيَّةِ، وَخَاصَّةً في الدُّوَلِ الأَوْرُبِيَّةِ طَامَّةٌ كُبْرَى، وَيُخْشَى عَلَى مَنِ الْتَجَأَ إِلَيْهَا بِاخْتِيَارِهِ مِنْ سَلْبِ الإِيمَانِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. هَذَا أَوَّلًا.
ثَانِيًا: إِذَا تَمَّ طَلَاقُ الزَّوْجَةِ مِنْ زَوْجِهَا وَفْقَ المَحَاكِمِ الأَوْرُبِيَّةِ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا الزَّوْجُ، فَطَلَاقُ المَحَاكِمِ هُنَاكَ لَا يَقَعُ عَلَى المَرْأَةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يُزَوِّجُ عَبْدَهُ أَمَتَهُ، ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا، إِنَّمَا الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
فَالطَّلَاقُ للزَّوْجِ، أَو للقَاضِي الشَّرْعِيِّ الذي يُرْغِمُ الزَّوْجَ بِالطَّلَاقِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾. فَأَضَافَ اللهُ تعالى الطَّلَاقَ للنَّاكِحِ.
ثَالِثًا: مَا تَأْخُذُهُ المَرْأَةُ مِنْ مَالٍ يُؤْخَذُ مِنْ زَوْجِهَا، خِلَافًا لِمَا شَرَعَ اللهُ تعالى مَالٌ حَرَامٌ، وَسُحْتٌ، وَلَو قَضَتْ بِهِ المَحَاكِمُ الجَائِرَةُ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾.
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» رَوَاهُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَوَاجِبٌ عَلَى المَرْأَةِ المُسْلِمَةِ المُقِيمَةِ في بِلَادِ الكُفْرِ أَنْ تُفَكِّرَ في آخِرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تُفَكِّرَ في دُنْيَاهَا، وَأَنْ تَذْكُرَ قَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتِ الجَنَّةَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالحَاكِمُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
فَكَيْفَ إِذَا طُلِّقَتْ في تِلْكَ الدَّوْلَةِ ـ وَطَلَاقُهَا غَيْرُ وَاقِعٍ إِذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا الزَّوْجُ ـ وَتَأْخُذُ مَا لَا يَحِلُّ لَهَا، مَعَ سَخَطِ زَوْجِهَا عَلَيْهَا؟
أَلَا تُفَكِّرُ هَذِهِ المَرْأَةُ في ذُرِّيَّتِهَا؟ هَلْ تَنْشَأُ الذُّرِّيَّةُ هُنَاكَ عَلَى التَّقْوَى وَالصَّلَاحِ؟ وَهَلْ تَتَوَقَّعُ أَنْ يَكُونَ أَوْلَادُهَا بَرَرَةً بِهَا؟
وَاللهِ إِنْ أَصَرَّتِ الزَّوْجَةُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ تَتُبْ إلى اللهِ تعالى، فَسَوْفَ تَعَضُّ عَلَى يَدَيْهَا بِسَبَبِ ظُلْمِهَا لِنَفْسِهَا، وَلِزَوْجِهَا، وَلِأَوْلَادِهَا، حَيْثُ عَرَّضَتْ نَفْسَهَا للفِتْنَةِ في دِينِهَا.
وَأَخِيرًا أَقُولُ: طَلَاقُهَا في تِلْكَ الدَّوْلَةِ لَا يَقَعُ، إِذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا الزَّوْجُ، فَإِنْ تَمَّ الطَّلَاقُ في تِلْكَ المَحَاكِمِ وَتَزَوَّجَتْ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ فَزَوَاجُهَا بَاطِلٌ، وَمَا تَأْخُذُهُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا مَالٌ حَرَامٌ.
وَأُذَكِّرُهَا بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾.
وَبِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾.
وَهَذِهِ هِيَ نَتَائِجُ السَّفَرَ بِالزَّوْجَةِ وَالأَوْلَادِ إلى تِلْكَ البِلَادِ، عَرَفَ هَذَا مَنْ عَرَفَ، وَجَهِلَ هَذَا مَنْ جَهِلَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |