طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلا شك بأن أصل الخلق جميعاً واحد، فالجميع مكرَّم وطاهر، مكرَّم من خلال قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70]، وطاهر من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانِهِ أو يُنَصِّرانِهِ أو يُمَجِّسانِهِ» رواه البخاري ومسلم. ومن خلال قوله تعالى في الحديث القدسي: «وإنِّي خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطينُ فاجتالتْهم عن دينهم، وحرَّمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمَرَتهم أن يشركوا بي ما لم أُنزِل به سلطاناً» رواه مسلم.
والجميع نُفخت فيه الروح من أمر الله تعالى، وكانت الروح طاهرةً، والقلبُ طاهراً، والجوارحُ كلُّها طاهرة.
ولكنَّ العبد إما أن يحافظ على طهارة أعضائه الظاهرة والباطنة، وإما أن يلوِّثها، وطهارتُها والمحافظةُ على طهارتها لا تكون إلا من خلال الالتزام بالشرع الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن التزم المنهج بقي طاهراً، وتخرج روحه من جسده طاهرة كما دخلت، وتتلقَّاها الملائكة ملائكة الرحمة.
أما إذا دنَّس العبد نفسه بالمخالفات الشرعية وبالبعد عن منهج الله عز وجل، فإنَّ روحه دخلت جسده طاهرة، وهو الذي دنَّسها بسبب أنه خان الأمانة وضيَّعها، لذلك تتلقَّاها الملائكة ملائكة العذاب، كما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خرجت روح المؤمن تلقَّاها مَلَكانِ يُصْعِدانِها، قال حَمَّادٌ: فذكر من طِيبِ ريحها وذكَرَ المسك، قال: ويقول أهل السماء: رُوحٌ طيِّبةٌ جاءت من قِبَلِ الأرض، صلَّى الله عليك وعلى جسدٍ كنتِ تَعْمُرِينَهُ، فيُنطلَق به إلى ربه عزَّ وجلَّ، ثمَّ يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل.
قال: وإنَّ الكافر إذا خرجت روحه، قال حَمَّادٌ: وذكر من نَتْنِهَا وذكر لَعْنًا، ويقول أهلُ السماء: رُوحٌ خبيثةٌ جاءت من قِبَلِ الأرض، قال: فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل، قال أبو هريرة: فردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَيْطَةً كانت عليه على أنفه هكذا» رواه مسلم.
قال الإمام النووي رحمه الله: الرَّيْطَة ـ بفتح الراء وإسكان الياء ـ ثوب رقيق، وكان سبب ردِّها على الأنف ما ذكر من نتن ريح روح الكافر.
وإذا خرجت روح العبد فإنَّ روحَه تُعرَض على أبينا آدم عليه السلام، كما جاء في دلائل النبوة للبيهقي في حديث المعراج: «فاستفتح جبريلُ بابَ السماء، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بُعِثَ إليه؟ قال: نعم، فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله على صورته، تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول: روح طيبة ونفس طيبة، اجعلوها في عِلِّيِّين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار، فيقول: روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سِجِّين».
وبناء عليه:
فالأرواح كلُّها بدايةً كانت طاهرة، فمن التزم شرع الله عز وجل حافظ على طهارتها، وسَلَّمها لربها عز وجل كما استلمها طاهرة.
وأما إذا دنَّسها بالمخالفات الشرعية فيكون قد خان الأمانة، وانقلبت إلى روح خبيثة بسبب ما اكتسبت يداه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، وهل هناك مصيبة أعظم من مصيبة ضياع الأمانة؟
نسأل الله الطهارة حسّاً ومعنى، وأن نخرج من هذه الدنيا على السلامة من فتنها الظاهرة والباطنة، آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |