طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ ذَهَبَ جُمهُورُ الفُقَهَاءِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ إلى تَحْرِيمِ أَكْلِ الحَشَرَاتِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾. فَالطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ تَنْفِرُ مِنْ ذَلِكَ لِاسْتِخْبَاثِهِ، إِلَّا الجَرَادَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ، وَدَمَانِ. فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ: فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.
وَخَالَفَ في ذَلِكَ المَالِكِيَّةُ، وَقَالُوا بِحِلِّ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الحَشَرَاتِ، بِشَرْطِ تَذْكِيَتِهَا إِذَا كَانَتْ لَهَا نَفْسٌ سَائِلَةٌ، وَتَحْصُلُ عِنْدَهُمُ التَّذْكِيَةُ بِأَيِّ فِعْلٍ يَمُوتُ مِنْهُ، وَأَمَّا مَا لَا نَفْسَ سَائِلَةَ لَهُ كَالجَرَادِ فَلَا تُشْتَرَطُ تَذْكِيَتُهُ. هَذَا أَوَّلًا.
ثَانِيًا: المَوَادُّ المُسْتَخْرَجَةُ مِنَ الحَشَرَاتِ، وَتَتَحَوَّلُ بِعَمَلِيَّاتٍ كِيمْيَائِيَّةٍ إلى مَوَادَّ أُخْرَى، هَذِهِ العَمَلِيَّةُ تُسَمَّى في الفِقْهِ الإِسْلَامِيِّ بِالاسْتِحَالَةِ، أَو التَّحَوُّلِ، وَهِيَ انْقِلَابُ العَيْنِ مِنْ حَالَةٍ إلى أُخْرَى، فَتَنْقَلِبُ مِنَ النَّجَاسَةِ إلى غَيْرِهَا بِحَيْثُ تَفْقِدُ صِفَاتِهَا كَامِلَةً.
وَقَدْ ذَكَرَ فُقَهَاءُ الحَنَفِيَّةُ أَنَّ الأَعْيَانَ النَّجِسَةَ إِذَا اسْتَحَالَتْ، أَو تَحَوَّلَتْ مِنْ حَالَةٍ نَجِسَةٍ إلى حَالَةٍ أُخْرَى طَاهِرَةٍ، بِحَيْثُ تَفْقِدُ جَمِيعَ صِفَاتِهَا، تَنْقَلِبُ إلى طَاهِرَةٍ، لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ وَصْفَ النَّجَاسَةِ عَلَى تِلْكَ الحَقِيقَةِ، فَإِذَا انْتَفَتْ حَقِيقَتُهَا بِالاسْتِحَالَةِ أَو التَّحَوُّلِ، انْتَفَتْ نَجَاسَتُهَا، كَالعَصِيرِ يَكُونُ طَاهِرًا، فَيَصِيرُ خَمْرًا فَيَنْجُسُ، وَيُصْبِحُ خَلًّا فَيَطْهُرُ، وَكَالنُّطْفَةِ تَكُونُ نَجِسَةً، فَإِذَا صَارَتْ مُضْغَةً طَهُرَتْ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَإِذَا كَانَتْ مَادَّةُ كَارْمِين التي تُسْتَخْرَجُ مِنَ الحَشَرَاتِ، وَاسْتَحَالَتْ وَتَغَيَّرَتْ طَبِيعَتُهَا، مِمَّا يَجْعَلُهَا قَابِلَةً للأَكْلِ، أَو التَّجْمِيلِ، فَلَا حَرَجَ، بِشَرْطِ:
1ـ تَغَيُّرِ صِفَاتِهَا كُلِّيًّا، وَاسْتِحَالَتِهَا إلى مَادَّةٍ أُخرَى.
2ـ إِذَا دَعَتْ إلى الحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَلَا يُوجَدُ بَدِيلٌ لَهَا.
3ـ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا ضَرَرٌ.
4ـ اسْتِخْدَامِهَا بِمِقْدَارِ الضّرُورَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |