طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَهَذِهِ الكَلِمَةُ خَطِيرَةٌ جِدًّا، وَهِيَ عَلَى عَكْسِ المَعْنَى العَظِيمِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.
يَقُولُ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ فِي شَرْحِ الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، ...... فَقَالَ: «يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ».
فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ» ـ.
قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا حَوْل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللهِ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ».
قَالَ الْعُلَمَاءُ: سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهَا كَلِمَةُ اسْتِسْلَامٍ وَتَفْوِيضٍ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَاعْتِرَافٍ بِالْإِذْعَانِ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا صَانِعَ غَيْرُهُ، وَلَا رَادَّ لِأَمْرِهِ، وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنَ الْأَمْرِ، وَمَعْنَى الْكَنْزِ هُنَا: أَنَّهُ ثَوَابٌ مُدَّخَرٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ ثَوَابٌ نَفِيسٌ، كَمَا أَنَّ الْكَنْزَ أَنْفَسُ أَمْوَالِكُمْ، قَالَ أَهْلِ اللُّغَةِ: (الْحَوْلُ) الْحَرَكَةُ وَالْحِيلَةُ، أَيْ : لَا حَرَكَةَ وَلَا اسْتِطَاعَةَ وَلَا حِيلَةَ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا حَوْلَ فِي دَفْعِ شَرٍّ، وَلَا قُوَّةَ فِي تَحْصِيلِ خَيْرٍ إِلَّا بِاللهِ، وَقِيلَ: لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ إِلَّا بِعِصْمَتِهِ، وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَتِهِ إِلَّا بِمَعُونَتِهِ. اهـ.
وَيَقُولُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَا حَوْلَ عَنِ المَعْصِيَةِ إِلَّا بِعِصْمَةِ اللهِ وَلَا قُوَّةَ عَلَى الطَّاعَةِ إِلَّا بِعَوْنِ اللهِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الجُمْلَةَ الوَارِدَةَ في السُّؤَالِ، لِأَنَّ ظَاهِرَهَا نَفْيُ الحَوْلِ عَنِ اللهِ تعالى، وَهَذَا بَاطِلٌ بِالإِجْمَاعِ، فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، أَيْ: لَا تَحَوُّلَ مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ إِلَّا بِإِقْدَارِ اللهِ تعالى لَهُ، وَتَوْفِيقِهِ إِيَّاهُ.
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |