السؤال :
مَا تَفْسِيرُ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13230
 2024-07-25

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ لَهَا ارْتِبَاطٌ بِالآيَةِ السَّابِقَةِ لَهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾. وَهَذِهِ الصَّلَاةُ هِيَ صَلَاةُ الخَوْفِ، وَلَهَا كَيْفِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ ذَكَرَهَا الفُقَهَاءُ.

ثُمَّ قَالَ بَعْدَ آيَةِ صَلَاةِ الخَوْفِ: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾. أَيْ: إِذَا أَدَّيْتُمُ الصَّلَاةَ في حَالَةِ الخَوْفِ، فَإِنَّ العِبَادَةَ لَمْ تَنْتَهِ، بَلْ هِيَ مَطلُوبَةٌ مِنْكُمْ، وَمِنَ العِبَادَةِ الإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تعالى عَلَى سَائِرِ أَحْوَالِكُمْ، قَائِمِينَ في المَيْدَانِ، أَوْ غَادِينَ وَرَائِحِينَ، أَو قَاعِدِينَ مُسْتَرِيحِينَ، لِأَنَّ ذِكْرَ اللهِ تعالى يُطَمْئِنُ القُلُوبَ، قَالَ تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾.

ثُمَّ قَالَ تعالى: ﴿فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾. أَيْ: إِذَا ذَهَبَ الخَوْفُ، وَانْتَهَتِ الحَرْبُ، وَعَادَ الأَمْنُ وَالأَمَانُ، فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ كَامِلَةً مُسْتَقْبِلِينَ القِبْلَةَ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَهَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ تَحْرِيضٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى المُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ في سَائِرِ الأَحْوَالِ، فَلَا تُتْرَكُ الصَّلَاةُ حَتَّى في سَاعَةِ القِتَالِ، وَعَلَى المُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللهِ المُحَافَظَةُ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَو قَائِمًا اَو قَاعِدًا، وَلْيُكْثِرْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تعالى بَعْدَ صَلَاةِ الخَوْفِ حَتَّى يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ، فَإِذَا انْتَهَى الخَوْفُ وَانْتَهَى القِتَالُ فَعَلَى المُصَلِّي أَنْ يُؤَدِّيَهَا بِأَرْكَانِهَا وَبِكَمَالِ هَيْئَتِهَا في السَّفَرِ، وَبِكَمَالِ عَدَدِهَا في الحَضَرِ.

وَمِنْ خِلَالِ هَذَا يُفْهَمُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَرْتَفِعُ عَنِ العَبْدِ مَا دَامَ فِيهِ نَفَسٌ مِنَ الاخْتِيَارِ، لَا في الخَوْفِ، وَلَا في الأَمْنِ، وَلَا في سَائِرِ الأَحْوَالِ.

أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ لَا يَحْرِمَنَا نِعْمَةَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ التي تَنْهَانَا عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.