السؤال :
تَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنْ خِطْبَةِ فَتَاةٍ، وَشَرَطَ عَلَى أَهْلِهَا أَنْ يَكْتُبَ أَنَّ المَهْرَ المُعَجَّلَ مَقْبُوضٌ دُونَ أَنْ يُسَلِّمَهَا إِيَّاهُ، وَالمُؤَجَّلَ في ذِمَّتِهِ، فَمَا حُكْمُ الشَّرْعِ في ذَلِكَ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13249
 2024-08-09

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أَوَّلًا: المَهْرُ مَالٌ تَسْتَحِقُّهُ المَرْأَةُ بِمُجَرَّدِ العَقْدِ عَلَيْهَا، أَوِ الدُّخُولِ بِهَا، وَهُوَ حَقٌّ لَهَا، وَوَاجِبٌ عَلَى الزَّوْجِ، وَهُوَ عَطِيَّةٌ مِنَ اللهِ تعالى مُبْتَدَأَةٌ، أَوْ هَدِيَّةٌ أَوْجَبَهَا اللهُ تعالى عَلَى الزَّوْجِ، إِظْهَارًا لِخَطَرِ هَذَا العَقْدِ وَمَكَانَتِهِ، وَإِعْزَازًا لِلْمَرْأَةِ وَإِكْرَامًا لَهَا، قَالَ تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾.

ثَانِيًا: إِذَا تَمَّ عَقْدُ الزَّوَاجِ بِدُونِ ذِكْرِ المَهْرِ صَحَّ العَقْدُ، وَوَجَبَ لِلزَّوْجَةِ مَهْرُ مَثِيلَاتِهَا، وَلِذَلِكَ فَالأَوْلَى أَنْ يُسَمَّى المَهْرُ في العَقْدِ.

وَإِذَا صَحَّ العَقْدُ بِدُونِ ذِكْرِ المَهْرِ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ بِأَنْ يُقْسَمَ المَهْرُ إلى مُعَجَّلٍ وَمُؤَجَّلٍ، وَأَنْ يَكُونَ جُزْءٌ مِنْهُ مَقْبُوضًا، وَجُزْءٌ مِنْهُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ.

ثَالِثًا: لِيَحْذَرِ الزَّوْجُ مِنَ الغَدْرِ في مَهْرِ زَوْجَتِهِ، وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ غَيْرَ مَقْبُوضٍ، بِأَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يَدْفَعَ لَهَا مَهْرَهَا، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى البَزَّارُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى صَدَاقٍ، وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لَا يُؤَدِّيَهُ إِلَيْهَا فَهُوَ زَانٍ، وَمَنِ ادَّانَ دَيْنًا، وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لَا يُؤَدِّيَهُ إِلَى صَاحِبِهِ ـ أَحْسَبُهُ قَالَ: ـ فَهُوَ سَارِقٌ».

وَمِصْدَاقُ هَذَا قَوْلُهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾. وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا﴾.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَالمَهْرُ حَقُّ الزَّوْجَةِ، وَلَا يَجُوزُ التَّعَدِّي عَلَيْهِ، ثُمَّ لِمَاذَا يُرِيدُ الزَّوْجُ أَنْ يَكْتُبَ أَنَّ المَهْرَ المُعَجَّلَ مَقْبُوضٌ دُونَ تَسْلِيمِهِ لَهَا؛ هَذَا نَوْعٌ مِنَ الكَذِبِ، وَعُنْوَانٌ عَلَى الغَدْرِ لِأَنَّهُ إِذَا أَرَادَ طَلَاقَهَا ذَهَبَ بِمُعَجَلِ مَهْرِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، لِأَنَّهُ كَتَبَ في عَقْدِ الزَّوَاجِ أَنَّهُ مَقْبُوضٌ، وَهُوَ في الحَقِيقَةِ غَيْرُ مَقْبُوضٍ، فَلْيَحْذَرْ وَلِيُّ المَرْأَةِ أَنْ يُوافِقَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ. هذا، والله تعالى أعلم.