السؤال :
مَا حُكْمُ الرَّجُلِ الغَيُورِ غَيْرَةً مُفْرِطَةً نَحْوَ زَوْجَتِهِ، وَيُحَاوِلُ أَنْ يَعْلَمَ مَعَ مَنْ تَتَكَلَّمُ؟ وَمَاذَا تَتَكَلَّمُ؟ وَيُفَتِّشُ جَوَّالَهَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13333
 2024-09-19

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

الغَيْرَةُ المُعْتَدِلَةُ، وَالَّتِي تَكُونُ في مَحَلِّهَا غَيْرَةٌ مَمْدُوحَةٌ وَمَحْمُودَةٌ، وَقَدْ أَكَّدَ عَلَيْهَا الإِسْلَامُ، بَلْ وَحَثَّ عَلَيْهَا؛ وَلَمَّا تَعَجَّبَ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، فَوَاللهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا غَيْرَةَ عِنْدَهُ.

وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَغَارَ عَلَى زَوْجَتِهِ وَعَلَى بَنَاتِهِ غَيْرَةً مُعْتَدِلَةً، فَلَا يُبَالِغَ فِيهَا حَتَّى لَا يَقَعَ في كَبَائِرَ عَظِيمَةٍ يُحَاسَبُ عَلَيْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ؛ وَمِنْ هَذِهِ الكَبَائِرِ التي يَقَعُ فِيهَا بِسَبَبِ الغَيْرَةِ المُفْرِطَةِ:

أَوَّلًا: سُوءُ الظَّنِّ، وَقَدْ نَهَانَا اللهُ تعالى عَنْ ذَلِكَ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾.

وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

ثَانِيًا: تَتَبُّعُ العَوْرَاتِ، رَوَى التَّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ».

ثَالِثًا: التَّجَسُّسُ، وَهُوَ كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَقَدْ يُفْسِدُ العَلَاقَةَ الزَّوْجِيَّةَ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ، أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ.

رَابِعًا: الافْتِرَاءُ وَالكَذِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِسَبَبِ سُوءِ الظَّنِّ، وَهَذَا كَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ.

خَامِسًا: بِسَبَبِ الغَيْرَةِ المُفْرِطَةِ، يُوقِعُ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ في التُّهْمَةِ لَهَا، وَهَذَا يُؤَدِّي لِأَنْ يَقُولَ الفُسَّاقُ وَالفُجَّارُ وَالحَاقِدُونَ عَلَيْهَا: لَوْلَا أَنَّهُ يَعْلَمُ مِنْهَا هَذِهِ الأُمُورَ لَمَا أَكْثَرَ مِنَ الإِنْكَارِ عَلَيْهَا.

سَادِسًا: وَالأَهَمُّ مِنْ هَذَا، أَنَّهُ يَقَعُ فِيمَا لَا يُحِبُّهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيك، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللهُ وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللهُ، فَأَمَّا الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ».

وَجَاءَ في شُعَبِ الإِيمَانِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، لَا تُكْثِرِ الْغَيْرَةَ عَلَى أَهْلِكِ، فَتُرْمَى بِالشَّرِّ مِنْ أَجْلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ بَرِيئَةً، وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تَسْتَخِفُّ فُؤَادَ الرَّجُلِ الْحَكِيمِ؛ قَالَ: وَعَلَيْكَ بِخَشْيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهَا غَايَةٌ لِكُلِّ شَيْءٍ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَهَذِهِ الغَيْرَةُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ غَيْرَةٌ مَذْمُومَةٌ يَكْرَهُهَا اللهُ تعالى، بَلْ هَذَا الفِعْلُ الذي يَفْعَلُهُ سُوءُ ظَنٍّ، وَسُوءُ الظَّنِّ مِنَ الكَبَائِرِ، وَهَذَا يُفْسِدُ المَوَدَّةَ وَالرَّحْمَةَ التي جَعَلَهَا اللهُ تعالى بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَيُفْقِدُ السَّكَنَ، وَقَدْ يُؤَدِّي إلى الطَّلَاقِ، وَتَرْمِيلِ الزَّوْجَةِ، وَتَيْتِيمِ الأَطْفَالِ، وَالأَبَوَانِ عَلَى قَيْدِ الحَيَاةِ.

الغَيْرَةُ المُفْرِطَةُ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا، وَتُفْسِدُ العَلَاقَةَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، بَلْ وَتُوقِعُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ بَيْنَهُمَا، وَيَقَعُ الزَّوْجُ في مُخَالَفَةِ أَمْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمِنْ ثَمَّ تُصِيبُهُ فِتْنَةٌ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، قَالَ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.