السؤال :
أَخِي يُرِيدُ الزَّوَاجَ مِنِ امْرَأَةٍ فَاسِقَةٍ سَافِرَةٍ مُتَبَرِّجَةٍ، وَوَالِدَايَ لَا يُوَافِقَانِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الزَّوَاجِ مِنْهَا، فَهَلْ يَحِقُّ لِلْوَالِدَيْنِ حِرْمَانُهُ مِنَ التَّرِكَةِ إِنْ تَزَوَّجَ مِنْهَا؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 13391
 2024-11-27

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فَيَجِبُ إِقْنَاعُ هَذَا الأَخِ بِالزَّوَاجِ مِنِ امْرَأَةٍ صَالِحَةٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَالمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ خَيْرُ مَا يَكْنِزُ الرَّجُلُ المُسْلِمُ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ».

وَحَذِّرُوهُ مِنَ الزَّوَاجِ مِنَ المَرْأَةِ الفَاسِقَةِ الفَاجِرَةِ المُتَبَرِّجَةِ، لِتَحْذِيرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لِعِزِّهَا لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلَّا ذُلًّا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِمَالِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلَّا فَقْرًا، وَمَنْ تَزَوَّجَهَا لِحَسَبِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلَّا دَنَاءَةً، وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يَتَزَوَّجْهَا إِلَّا لِيَغُضَّ بَصَرَهُ أَوْ لِيُحْصِنَ فَرْجَهُ، أَوْ يَصِلَ رَحِمَهُ بَارَكَ اللهُ لَهُ فِيهَا، وَبَارَكَ لَهَا فِيهِ».

وَوَرَدَ في الأَثَرِ كَمَا جَاءَ في مُسْنَدِ الشِّهَابِ القَضَاعِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَنِ».

فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا خَضْرَاءُ الدِّمَنِ؟

قَالَ: «الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فِي الْمَنْبَتِ السُّوءِ». هَذَا أَوَّلًا.

ثَانِيًا: يَجِبُ عَلَى الوَلَدِ طَاعَةُ الوَالِدَيْنِ، وَخَاصَّةً إِنْ أَمَرَاهُ بِالطَّاعَةِ، وَحَذَّرَاهُ مِنَ المَعْصِيَةِ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّ رِضَا اللهِ في رِضَا الوَالِدَيْنِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رَوَاهُ البَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «رِضَا اللهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُ اللهِ فِي سَخَطِ الْوَالِدَيْنِ».

ثَالِثًا: يَجُوزُ هَجْرُ العَاصِي إِذَا كَانَ الهَجْرُ سَيُؤَثِّرُ في رَدْعِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ هَجْرُهُ حَتَّى لَا يَزْدَادَ إِعْرَاضًا عَنِ اللهِ تعالى.

رَابِعًا: حِرْمَانُ الوَلَدِ العَاقِّ مِنَ حُقُوقِهِ الإِرْثِيَّةِ لَا يَجُوزُ شَرْعًا، لِأَنَّ اللهَ تعالى عِنْدَ فَرْضِ المِيرَاثِ لِكُلِّ وَارِثٍ، لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الصَّلَاحَ، إِلَّا إِذَا ارْتَدَّ عَنْ دِينِهِ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ بِسَبَبِ رِدَّتِهِ.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

فَعَلَيْكُمْ بِتَقْدِيمِ النُّصْحِ لَهُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ هَجْرِهِ إِذَا كَانَ الهَجْرُ يَرُدُّهُ إلى صَوَابِهِ، وَاحْذَرُوا مِنْ مَنْعِهِ مِنَ الإِرْثِ بَعْدَ وَفَاةِ الأَبَوَيْنِ، لِأَنَّ المُؤْمِنَ لَا يَعْصِي اللهَ تعالى فِيمَنْ عَصَى اللهَ تعالى فِيهِ، وَالحَقُّ في الإِرْثِ أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ شَرْعِ اللهِ تعالى، فَإِنْ عَـصَى اللهَ تعالى بِهَذَا الزَّوَاجِ، فَعَلَى الأَبَوَينِ أَلَّا يَعْصِيَا اللهَ تعالى بِحِرْمَانِهِ مِنَ التَّرِكَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.