طباعة |
20ـ نحو أسرة مسلمة: يجب أن نعلِّم بناتنا واجبهنَّ نحو أزواجهنَّ (1) | |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: {وَالله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} فإنَّه مما لا شك فيه بأن الإنسان وُلِدَ وهو لا يعلم شيئاً، قال تعالى: {وَالله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا}. وأول من يجب عليه أن يُعَلِّمَه والداه، ولا يجوز أن يتَّكل في ذلك على غيره، وخاصَّةً في هذا العصر، لأنَّ الغير يُعَلِّم أبناءنا كُلَّ شيءٍ إلا آدابَ الأسرة، وآدابَ المعاملات الزوجية، بل على العكس من ذلك تماماً، الغَيْرُ يُعَلِّم أبناءنا كيف تُهْدَمُ الأسرة، كيف تتمرَّد المرأة على زوجها، وكيف يخون الرجل زوجته، لأنَّ جُلَّ علوم الأسرة صارت وافدةً إلينا من الغرب الذي ما عرف الترابط الأُسَري. علِّم ابنتك ما تحب أن تراه أنت من زوجتك، لأن المؤمن الكامل هو الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه. السيدة خديجة رضي الله عنها أروع مثل لبناتنا لذلك من الواجب علينا كآباءٍ وأمهاتٍ أن نربي بناتنا على معرفة واجبهنَّ نحو الأزواج لنضمن لهنَّ سعادة الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى، ولِنَجعَل حُبهنَّ في قلوب أزواجهنَّ، وأن يتمثَّل كل زوجٍ في زوجته قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق السيدة خديجة الكبرى رضي الله عنها: (إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم في حقها أيضاً: (والله ما أبدلني الله خيراً منها) رواه أحمد والطبراني. من باب: إن لم تكونوا مثلهم فتشبهوا إنَّ التَشَبُه بالكرام فلاحُ من الواجب علينا أن نُرَبِيَهنَّ كيف يَكُنَّ سَكَنَاً للزوج؟ ونعطيهنَّ أروع مثلٍ من أمهاتنا أمهات المؤمنين، وخاصَّةً السيدة خديجة رضي الله عنها، عندما رَجَعَ إِلَيْها رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَارِ حِرَاء يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ الله عَنْهَا فَقَالَ: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلا وَالله مَا يُخْزِيكَ الله أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ) رواه البخاري. لذلك كانت رضي الله عنها بحقٍّ تستأهل أن يسمي النبي صلى الله عليه وسلم العام الذي توفيت فيه رضي الله عنها عام الحزن. الواجب الأول نحو زوجها: طاعتُها له في غير معصية. هذا الواجب الأول الذي يجب علينا أن نغرسه في نفوس بناتنا، وخاصة الأم، أن تغرس في نفس ابنتها هذا الواجب من خلال سلوكها في بيتها مع زوجها، لأنَّ أَثَرَ الحالِ أقوى من أَثَرِ المقالِ. طاعةٌ مطلقة في غير معصيةٍ لله عز وجل، لأنَّ نظام الأسرة الناجح يقتضي خضوعَ الأفراد لواحد، وأول من يخضع لذلك الزوجة، وأمر طبيعي أن الزوج صاحبَ الدين والخلق لا يكون دكتاتورياً يقول لزوجته وأولاده: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى}. بل على العكس من ذلك، تكون الأمور بين الزوج وزوجته شورى، ثم يكون القرار النهائي لما يتَّفقان عليه. فعلِّم ابنتك الواجب الأول الذي عليها نحو زوجها وهو الطاعة، وعلِّمها بأنَّ طاعتها له سبب من الأسباب التي تدخلها الجنة يوم القيامة إن شاء الله تعالى، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ دَخَلَتْ الْجَنَّةَ) رواه الترمذي. فالخروج عن طاعته يعتبر خروجاً عن أمرٍ ديني وجزءٍ من الإسلام. علِّمها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) رواه الترمذي. وفي رواية أخرى: (لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأَحَدٍ لأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ الله لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ) رواه أبو داود. وأما أنتِ أيَّتُها الأم فعلِّميها قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا) ر واه مسلم. علِّميها قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ) رواه البخاري. علِّميها قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا دَعَا الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتُجِبْهُ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ) رواه الترمذي والطبراني واللفظ له. علِّميها أنَّ عمَّة الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟ قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ، قَالَ: فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ؟ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ) رواه أحمد. علِّميها قولَ النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ) رواه الإمام أحمد. ألا تحب أن تكون زوجتك كذلك؟ فعلِّم ابنتك أن تكون كذلك لزوجها في المستقبل. الواجب الثاني: أن تُرضِيَه إذا غضب الواجب الثاني الذي يجب علينا أن نعلِّمه بناتنا، أن لا تدع زوجها يبيتُ ليلةً وهو غضبان، لأنَّ هذا شأن الصالحات أهل الجنة، لما روى النسائي في السنن الكبرى، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟ الودود الولود العؤود على زوجها، التي إذا آذت أو أوذيت، جاءت حتى تأخذ بيد زوجها، ثم تقول: والله لا أذوق غمضاً حتى ترضى). وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ: لا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ الله، فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا) رواه الترمذي. ألا تحب أن تكون زوجتك كذلك؟ فعلِّم ابنتك أن تكون كذلك لزوجها في المستقبل. الواجب الثالث: أن لا تفتخر على زوجها الواجب الثالث الذي يجب علينا أن نربِّي بناتنا عليه أن لا تفتخر على زوجها بجمالها إذا كانت حسناء وكان زوجها دميماً، علِّمها هذا الأدب، لأنَّ الله جلَّ جلاله يقول: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ}. والافتخار يكون في الشيء المكسوب لا الموهوب، فالجمال والحسب والنسب موهبة من الله تعالى لا من كسب الإنسان، ولكن حسن الخلق وحسن التعامل هو المكسوب لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ}. فالتفاخر بالتقوى، وصاحبة التقوى لا تفتخر على زوجها بما آتاها الله تعالى. روي أنَّ الأصمعي قال: فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجهاً، تحت رجل من أقبح الناس وجهاً، فقلت لها: يا هذه أترضينَ لنفسك أن تكوني تحت مثله، فقالت: يا هذا اسكت، فقد أسأت في قولك، لعلَّه أَحسَنَ فيما بينه وبين خالقه فجعلني ثوابه، أو لعلي أسأت فيما بيني وبين خالقي فجعله عقوبتي، أفلا أرضى بما رَضِيَ الله لي، فأسكتتني. من كتاب إحياء علوم الدين. ألا تحب أن تكون زوجتك كذلك؟ فعلِّم ابنتك أن تكون كذلك لزوجها في المستقبل. الواجب الرابع: المحافظة على شرفه في السر والعلن الواجب الرابع الذي علينا أن نربي بناتنا عليه، أن تحافظ على شرفه فلا تخون زوجها، لأنَّ أكثر المشكلات والخصومات تأتي نتيجةَ الخيانة، وهي أكبر سبب لهدم البيت، وليس هناك جريمة أكبر من جريمة الخيانة، فكلُّ جريمة يمكن أن يعفو الزوج عنها وينساها إلا هذه. علِّمها قول الله عز وجل: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله}. علِّمها قول النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء عند دخولهنَّ في الإسلام بايَعَهُنَّ على: (أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِالله شَيْئًا، وَلا يَسْرِقْنَ، وَلا يَزْنِينَ، وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ، وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ) رواه البخاري. علِّمها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى الله خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ، إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ) رواه ابن ماجه. حذَّرها من خطورة الخيانة، وبداية الخيانة من النظر إلى الحديث إلى الخلوة..... ألا تحب أن تكون زوجتك كذلك؟ فعلِّم ابنتك أن تكون كذلك لزوجها في المستقبل. الواجب الخامس: أن لا تنكر العشير الواجب الخامس الذي يجب علينا أن نعلِّمه لبناتنا أن لا يُنكِرنَ العشير، أن تراعي مشاعر زوجها، وأن تعترف بإحسانه لقوله تعالى: {هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَان}. وحذِّرها من أن لا تُقَدِّر الجميل، ولا تعترف بالفضل، لأنَّ شأن أمثال هؤلاء النساء أن يكنَّ من أهل النار والعياذ بالله تعالى، لما روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ). ألا تحب أن تكون زوجتك كذلك؟ فعلِّم ابنتك أن تكون كذلك لزوجها في المستقبل. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لحسن التربية بحالنا قبل قالنا، وأن يكون كلامنا لنا لا علينا يوم القيامة. آمين. ولعلنا نأتي في الأسبوع القادم إلى تتمة هذا الموضوع إن شاء الله تعالى. ** ** **
|
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |