طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَحُكْمُ شِرَاءِ البُيُوتِ أَو المَحَلَّاتِ أَو المَزَارِعِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ عَلَى المُخَطَّطِ، الأَصْلُ فِيهِ عَدَمُ الجَوَازِ، لِأَنَّهُ بَيْعُ المَعْدُومِ.
وَلَكِنَّ فُقَهَاءَ الحَنَفِيَّةِ وَبَعْضَ الفُقَهَاءِ الآخَرِينَ أَجَازُوا هَذَا العَقْدَ اسْتِحْسَانًا عَلَى خِلَافِ القِيَاسِ، وَأَسْمَوْهُ عَقْدَ اسْتِصْنَاعٍ، يَعْنِي عُقِدَ عَلَى مَبِيعٍ في الذِّمَّةِ شُرِطَ فِيهِ العَمَلُ.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اسْتَصْنَعَ خَاتَمًا يَخْتِمُ بِهِ الكُتُبَ، وَاسْتَصْنَعَ كَذَلِكَ مِنْبَرًا بَعْدَمَا تَقَدَّمَتْ بِهِ السِّنُّ، وَصَعُبَ عَلَيْهِ الصُّعُودُ إلى جِذْعِ الشَّجَرَةِ الذي كَانَ يَخْطِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَجَاءَ في بَدَائِعِ الصَّنَائِعِ: (وَأَمَّا جَوَازُهُ، فَالْقِيَاسُ: أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الإِنْسَانِ، لَا عَلَى وَجْهِ السَّلَمِ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الإِنْسَانِ، وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ، وَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ لِإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نُكْرٍ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (إِنَّ اللهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ) [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه].
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا رَأَى المُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ سَيِّئٌ [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالحَاكِمُ]).
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَلَا حَرَجَ مِنْ شِرَاءِ البُيُوتِ أَو المَحَلَّاتِ عَلَى المُخَطَّطِ، إِذَا كَانَتِ المُوَاصَفَاتُ مَعْلُومَةً وَوَاضِحَةً وَلَا غُمُوضَ فِيهَا.
وَتَجْدُرُ الإِشَارَةُ هُنَا إلى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ للمُشْتَرِي أَنْ يَبِيعَ البَيْتَ أَو المَحَلَّ إِلَّا بَعْدَ اسْتِلَامِهِ، وَإِلَّا وَقَعَ في شُبْهَةِ الرِّبَا، لِأَنَّهُ يَبِيعُ في الحَقِيقَةِ مَالًا بِمَالٍ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |