طباعة |
22ـ تأويل رؤيا الملك | |
22ـ تأويل رؤيا الملك مقدمة الكلمة: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: الأُمُورُ كُلُّهَا بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ، وَلَهُ مَلَائِكَةٌ يُدَبِّرُونَ الأَمْرَ بِإِذْنِهِ، وَلَهُ جُنُودٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ، وَمِنْ هَذِهِ الجُنُودِ الرُّؤَى. عِنْدَمَا اقْتَرَبَ الفَرَجُ، وَأَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَجَاةَ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، بَعْدَ أَنْ نَالَ مِنَ الأَجْرِ عَلَى صَبْرِهِ عَلَى مُصِيبَةِ السِّجْنِ مِنْ أَجْلِ عِفَّتِهِ وَطَهَارَتِهِ وَنَقَائِهِ مَا نَالَ، أَرَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ المَلِكَ رُؤْيَا أَقْلَقَتْهُ، حَتَّى تَكُونَ سَبَبَاً لِنَجَاةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. تَأْوِيلُ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رُؤْيَا المَلِكِ: قَالَ تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾. لَقَدْ أَرَى اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى المَلِكَ هَذِهِ الرُّؤْيَا لِحِكْمَةٍ، فَاللهُ تعالى مُدَبِّرُ الأُمُورِ، وَإِذَا أَرَادَ أَمْرَاً جَاءَ بِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ العَبْدُ، فَالفَرَجُ يَأْتِي مِنَ اللهِ تعالى مِنْ قَلْبِ الضِّيقِ، فَهَذِهِ الرُّؤْيَا كَانَتْ سَبَبَاً في تَفْرِيجِ كَرْبِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ﴾ سَبْعُ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ وَفي جِوَارِهِنَّ سَبْعُ بَقَرَاتٍ ضِعَافٍ هُزَالٍ نُحَافٍ، فَإِذَا بِالسَّبْعِ الضِّعَافِ النُّحَافِ الهُزَالِ يَأْكُلْنَ السَّبْعَ السِّمَانَ، وَهَذَا أَمْرٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ، فَالمُفْتَرَضُ أَنَّ البَقَرَةَ السَّمِينَةَ هِيَ التي تَعْتَدِي عَلَى الضَّعِيفَةِ الهَزِيلَةِ، وَلَكِنَّ الأَمْرَ هُنَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. هَذِهِ الرُّؤْيَا الغَرِيبَةُ اسْتَحْوَذَتْ عَلَى قَلْبِ المَلِكِ وَعَقْلِهِ وَكُلِّ فِكْرِهِ، لَقَدْ عَظَّمَهَا اللهُ تعالى وَعَظَّمَ شَأْنَهَا عِنْدَ المَلِكِ، فَلَمْ يَهْدَأْ لَهُ بَالٌ، وَلَمْ يَسْتَقِرَّ لَهُ حَالٌ حَتَّى يَقِفَ عَلَى أَمْرِ هَذِهِ الرُّؤْيَا فَقَالَ للمَلَأِ: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ، يَا أَيُّهَا الأَشْرَافُ، يَا رِجَالَ الدَّوْلَةِ، يَا أَهْلَ الرَّأْيِ وَالمَشُورَةِ ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾. فَقَالُوا مَقُولَةَ أَهْلِ الجَهْلِ: ﴿قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾. وَكَانَ مِنَ اللَّائِقِ أَنْ يَقُولُوا: اللهُ أَعْلَمُ، وَأَنْ يَكِلُوا العِلْمَ إلى اللهِ تعالى، فَلَا يَضْرِبُوا بِالغَيْبِ، وَيَقُولُوا: أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ؛ يَعْنِي: أَغْلَاطٍ، وَلَيْسَتْ مِنَ الرُؤْيَا الحَقَّةِ في شَيْءٍ، فَلَا تَقِفْ عِنْدَهَا، وَلَا تُفَكِّرْ فِيهَا. أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَذِهِ الرُّؤْيَا مِمَّا قَدَّرَ اللهُ تعالى، فَكَانَتْ سَبَبَاً لِخُرُوجِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ السِّجْنِ مُعَزَّزَاً مُكَرَّمَاَ، فَعِنْدَمَا قَالَ المَلِكُ لِكَهَنَتِهِ، وَكِبَارِ دَوْلَتِهِ، وَأُمَرَائِهِ، هَذِهِ الرُّؤْيَا، وَقَالُوا لَهُ جَمِيعَاً: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ عِنْدَهَا تَذَكَّرَ الذي نَجَا مِنْ ذَيْنِكَ الفَتَيَيْنِ اللَّذَيْنِ كَانَا في السِّجْنِ مَعَ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَانَ الشَّيْطَانُ قَدْ أَنْسَاهُ مَا وَصَّاهُ بِهِ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ ذِكْرِ أَمْرِهِ للمَلِكِ، عِنْدَ ذَلِكَ تَذَكَّرَ بَعْدَ سَنَوَاتٍ سَيِّدَنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَقَالَ للمَلِكِ وَمَنْ مَعَهُ: ﴿أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ﴾. أَيْ: فَابْعَثُونِ إلى يُوسُفَ الصِّدِّيقِ، ابْعَثُونِ إلى السِّجْنِ. وَجَاءَ هَذَا الرَّجُلُ إلى سَيِّدَنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَالَ: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا﴾. وَقَصَّ رُؤْيَا المَلِكِ. مَاذَا كَانَ مَوْقِفُ سَيِّدَنَا يُوسُفَ مِنَ الرَّجُلِ؟ هَلِ اعْتَذَرَ عَنْ تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا؟ هَلْ عَنَّفَ هَذَا الفَتَى في نِسْيَانِهِ مَا وَصَّاهِ بِهِ؟ قَطْعَاً لَا، لِأَنَّ أَخْلَاقَ الكُمَّلِ مِنَ الرِّجَالِ تَأْبَى ذَلِكَ (اصْنَعِ المَعْرُوفَ في أَهْلِهِ وَفِي غَيْرِ أَهْلِهِ؛ فَإِنْ أَصَبْتَ أَهْلَهُ فَهُوَ أَهْلُهُ، وَإِنْ لَمْ تُصِبْ أَهْلَهُ فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ). خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَذَا الخُلُقَ مِنْ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَا تُقَابِلِ الإِسَاءَةَ بِالإِسَاءَةِ، بَلْ قَابِلِ الإِسَاءَةَ بِالإِحْسَانِ، لَقَدْ أَوَّلَ لَهُمُ الرُّؤْيَا. ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبَاً﴾ فَسَّرَ البَقَرَ بِالسِّنِينَ، ثُمَّ أَرْشَدَهُمْ إلى مَا يَعْتَدُّونَهُ في تِلْكَ السِّنِينَ، فَقَالَ: ﴿فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلَاً مِمَّا تَأْكُلُونَ﴾ ادَّخِرُوا زَرْعَكُمْ في سُنْبُلِهِ لِيَكُونَ أَبْقَى وَأَبْعَدَ عَنْ إِسْرَاعِ الفَسَادِ إِلَيْهِ، إِلَّا المِقْدَارَ الذي تَأْكُلُونَهُ، وَلْيَكُنْ قَلِيلَاً لَا تُسْرِفُوا فِيهِ، لِتَنْتَفِعُوا في السَّبْعِ الشِّدَادِ، وَهِيَ السَّبْعُ السِّنِينَ المَحْلُ، لِأَنَّ سِنِيَّ الجَدْبِ يُؤْكَلُ فِيهَا مَا جَمَعُوهُ في سِنِيِّ الخِصْبِ، ثُمَّ بَشَّرَهُمْ بَعْدَ الجَدْبِ بِالعَامِ الذي يُغَاثُ فِيهِ النَّاسُ بِالمَطَرِ، وَيَعْصِرُ النَّاسُ مَا كَانُوا يَعْصِرُونَ عَلَى عَادَتِهِمْ، وَيَدَّخِرُونَ مَا يَدَّخِرُونَ. أَجَارَنَا اللهُ تعالى وَإِيَّاكُمْ مِنَ الظُّلْمِ، وَلَا حَرَمَنَا نِعْمَةَ الأَخْلَاقِ. آمين. تاريخ الكلمة ** ** ** الاثنين: 7/ ربيع الأول /1441هـ، الموافق: 4/ تشرين الثاني / 2019م |
|
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |