طباعة |
167ـ الهجرة والأمل | |
كلمة شهر محرم 1442 167ـ الهجرة والأمل مقدمة الكلمة: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا أَحْوَجَنَا في هَذِهِ الآوِنَةِ التي نَعِيشُ فِيهَا في أَيَّامِ الفِتَنِ وَالمِحَنِ وَالشَّدَائِدِ وَالابْتِلَاءِ وَالغَلَاءِ وَالوَبَاءِ أَنْ نَتَطَلَّعَ إلى الأَمَلِ المُشْرِقِ مِنْ وَرَاءِ هَذِهِ المِحَنِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ قِرَاءَتِنَا حَدِيثَ هِجْرَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ مكَّةَ المُكَرَّمَةِ إلى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ. مَا أَحْوَجَنَا إلى التَّفَاؤُلِ وَالأَمَلِ وَنَحْنُ تَمُرُّ عَلَيْنَا ذِكْرَى هِجْرَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، حَيْثُ مِنْ خِلَالِهَا نَتَعَلَّمُ بِأَنَّ الفَرَجَ يَأْتِي مِنْ حَيْثُ لَا نَحْتَسِبُ وَلَا نَقْدِرُ. «مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي؟»: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِمُجْتَمَعَاتِ القَبَائِلِ، وَيَقْصِدُ رُؤَسَاءَ القَبَائِلِ، وَيَتَوَجَّهُ بِالدَّعْوَةِ إلى الوُجَهَاءِ، وَسَارَ إلى الطَّائِفِ، فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَشْرَ سَنَوَاتٍ وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَرْجُو أَنْ يَجِدَ عِنْدَ أَصْحَابِ الجَاهِ وَالمَنَعَةِ نُصْرَةً وَتَأْيِيدًا. روى الإمام أحمد عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَكَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ، وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًى، يَقُولُ: «مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي، وَلَهُ الْجَنَّةُ؟» حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، أَوْ مِنْ مِـصْرَ ـ كَذَا قَالَ ـ فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ، فَيَقُولُونَ: احْذَرْ غُلَامَ قُرَيْشٍ، لَا يَفْتِنُكَ، وَيَمْشِي بَيْنَ رِجَالِهِمْ، وَهُمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، حَتَّى بَعَثَنَا اللهُ لَهُ مِنْ يَثْرِبَ، فَآوَيْنَاهُ، وَصَدَّقْنَاهُ. نَعَمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَمْ تَأْتِ النُّصْرَةُ وَالحِمَايَةُ وَالتَّمْكِينُ مِنْ تِلْكَ القَبَائِلِ العظِيمَةِ ذَاتِ المَالِ وَالسِّلَاحِ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ مِنْ سِتَّةِ نَفَرٍ جَاءُوا عَلَى ضَعْفٍ وَقِلَّةٍ، كَمَا قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَكَانَ أَحَدَ النَّفَرِ السِّتَّةِ الذينَ جَاءُوا مِنَ المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ: حَتَّى بَعَثَنَا اللهُ مِنْ يَثْرِبَ، فَآوَيْنَاهُ وَصَدَّقْنَاهُ، فَيَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنَّا وَيُؤْمِنُ بِهِ وَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا فِيهَا رَهْطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ إِنَّا اجْتَمَعْنَا، فَقُلْنَا: حَتَّى مَتَى نَتْرُكُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يُطْرَدُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ وَيَخَافُ؟ فَرَحَلَ إِلَيْهِ مِنَّا سَبْعُونَ رَجُلًا، حَتَّى قَدِمُوا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ فَوَاعَدْنَاهُ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ، فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهَا مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ، حَتَّى تَوَافَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: «تُبَايعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَالنَّفَقَةِ فِي العُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَنْ يَقُولَهَا لَا يُبَالِي فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِيَ، وَتَمْنَعُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمُ الْجَنَّةُ» فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَبَايَعْنَاهُ. رواه ابن حبان. أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ كَانَ يَخْطُرُ في بَالِهِ بِأَنَّ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي مَوْسِمِ الحَجِّ بِمِنَىً، وَالذي كَانَ يَجْتَمِعُ فِيهِ قَبَائِلُ العَرَبِ للحَجِّ، وَكَانَ في مَجْلِسٍ مِنَ المَجَالِسِ سِتَّةُ نَفَرٍ يَتَحَادَثُونَ وَيَتَسَامَرُونَ، فَجَاءَ إِلَيْهِمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَالصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَعَهُ، فَحَدَّثَهُمْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَصْغَوْا إِلَيْهِ، فَانْشَرَحَتْ لَهُ قُلُوبُهُمْ، وَلَانَتْ أَفْئِدَتُهُمْ، وَنَطَقَتْ أَلْسِنَتُهُمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَإِذَا بِهَؤُلَاءِ النَّفَرِ السِّتَّةِ مِنْ شَبَابِ يَثْرِبَ يُطْلِقُونَ الشُّعْلَةَ الأُولَى مِنْ نُورِ الإِسْلَامِ العَظِيمَةَ التي أَحْرَقَتِ البَاطِلَ، وَتَرَكَتْهُ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ. مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ يَأْتِيَ الفَرَجُ عَنْ طَرِيقِ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ مِنْ شَبَابِ يَثْرِبَ؟ نَعَمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدِ اسْتَكْبَرَ الكُبَرَاءُ وَالزُّعَمَاءُ وَالمَلَأُ، وَتَآلَبَ القَوْمُ وَتَآمَرَتِ الوُفُودُ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَسُدَّتِ الأَبْوَابُ في وَجْهِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَتْ بِدَايَةُ الخَلَاصِ في سِتَّةِ نَفَرٍ مِنَ الشَّبَابِ الذينَ لَا حَوْلَ لَهُمْ وَلَا قُوَّةَ. خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ خَالِقُ الفَرَجِ حَيْثُ شَاءَ، وَمَتَى شَاءَ، وَعَلَى يَدِ مَنْ شَاءَ، عَلَيْنَا أَنْ نَعِيشَ بِالأَمَلِ مَهْمَا أَظْلَمَ اللَّيْلُ وَاشْتَدَّتِ الأَحْزَانُ، فَمَنْ يَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يَصْنَعُ لَنَا في حَلَكَاتِ لَيْلِنَا الدَّاجِي خُيُوطَ فَجْرٍ صَادِقٍ، وَلَعَلَّ آلَامَنَا التي نَعِيشُهَا مَخَاضَ الفَرَجِ وَالعِزَّةِ وَالكَرَامَةِ وَالسِّيَادَةِ وَالرِّيَادَةِ، وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ. أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَا نَحْنُ نَسْتَقْبِلُ عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا مُحَمَّلًا بِمَا فِيهِ، وَنَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّلًا بِالفَرَجِ وَاليُسْرِ وَالرَّخَاءِ وَالأَمْنِ وَالأَمَانِ وَالاسْتِقْرَارِ بَعْدَ العَوْدَةِ إلى اللهِ تعالى. أَرْجُو اللهَ تعالى أَنْ تَكُونَ ذِكْرَى الهِجْرَةِ ذِكْرَى الاعْتِبَارِ وَالاتِّعَاظِ، وَأَنْ تَكُونَ سَبَبًا للعَوْدَةِ إلى رُشْدِنَا وَصَوَابِنَا، وَأَنْ تَكُونَ سَبَبًا لِأَنْ نَعِيشَ بِالأَمَلِ وَالتَّفَاؤُلِ بِالأَمَلِ في مَوْعُودِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، بِالأَمَلِ في مُسْتَقْبَلٍ مُشْرِقٍ، بِالأَمَلِ في الفَرَجِ بَعْدَ الشِّدَّةِ، وَالعِزَّةِ بَعْدَ المَذَلَّةِ. اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِذَلِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. آمين. ** ** ** تاريخ الكلمة: الخميس: 1/ محرم /1442هـ، الموافق: 20/ آب / 2020م |
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |