طباعة |
35ـ ﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ | |
35ـ ﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾ مقدمة الكلمة: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا فَعَلَهُ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ مَعَ إِخْوَتِهِ عِنْدَمَا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ، وَجَعَلَ السِّقَايَةَ في رَحْلِ أَخِيهِ، ثُمَّ أَذَنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ، هُوَ مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾. مِنْ خِلَالِ هَذَا البَيَانِ الذي ذَكَرَهُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْفَعُ اللهُ تعالى أَيَّ تُهْمَةٍ عَنْ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ. فَنَسَبَ اللهُ تعالى هُنَا الكَيْدَ إلى نَفْسِهِ، كَمَا نَسَبَهُ إلى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً﴾. وَفي قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. وَفي قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾. وَالكَيْدُ نَوْعَانِ، قَبِيحٌ، كَكَيْدِ إِخْوَةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ بِهِ، حَيْثُ احْتَالُوا بِهِ في التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ وَأَبِيهِ، وَكَكَيْدِ امْرَأَةِ العَزِيزِ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَكَكَيْدِ النِّسْوَةِ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقَالَ سَيِّدُنَا يَعْقُوبُ لِسَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾. وَقَالَ الشَّاهِدُ لِامْرَأَةِ العَزِيزِ: ﴿إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾. وَقَالَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِرَسُولِ المَلِكِ: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾. لَقَدْ كَانَ كَيْدُ إِخْوَةِ سَيِّدِنَا يُوسُفَ وَامْرَأَةِ العَزِيزِ وَالنِّسْوَةِ كَيْداً قَبِيحاً. وَهُنَاكَ كَيْدٌ حَسَنٌ، وَهُوَ إِيصَالُهُ إلى مُسْتَحِقِّهِ عُقُوبَةً لَهُ، مِنْ هَذَا الكَيْدِ، مَا كَادَهُ اللهُ تعالى لِسَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ بِأَنْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ أَيْدِي إِخْوَتِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ، كَمَا أَخْرَجُوا يُوسُفَ مِنْ يَدِ أَبِيهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. وَكَادَ لَهُ عِوَضَ كَيْدِ المَرْأَةِ ﴿إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ﴾. بِأَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ ضِيقِ السِّجْنِ إلى فَضَاءِ المُلْكِ، وَمَكَّنَهُ في الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ. وَكَادَ لَهُ في تَصْدِيقِ النِّسْوَةِ اللَّاتِي كَذَّبْنَهُ وَرَاوَدْنَهُ حَتَّى شَهِدْنَ بِبَرَاءَتِهِ وَعِفَّتِهِ. وَكَادَ لَهُ في تَكْذِيبِ امْرَأَةِ العَزِيزِ لِنَفْسِهَا وَاعْتِرَافِهَا بِأَنَّهَا هِيَ التي رَاوَدَتْهُ وَأَنَّهُ مِنَ الصَّادِقِينَ. لَوْلَا تَدْبِيرُ اللهِ تعالى مَا كَانَ لِسَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ أَنْ يَسْتَلَّ أَخَاهُ كَالشَّعْرَةِ مِنَ العَجِينِ مِنْ بَابِ الاحْتِفَاظِ بِهِ مِنْ إِخْوَتِهِ، وَيُصْبِحَ في حِمَى المَلِكِ. تَدْبِيرُ اللهِ تعالى هُوَ الذي أَوْصَلَهُ إلى مَرْتَبَةِ عَزِيزِ مِـصْرَ، صَارَ يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ، وَيَمْنَعُ مَنْ يَشَاءُ، وَيَسْتَبْقِي مَنْ يَشَاءُ، لَوْلَا تَدْبِيرُ اللهِ تعالى لِسَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ لَمَا تَحَوَّلَ مِنْ سَجِينٍ مُتَّهَمٍ بِأَمْرٍ يَمَسُّ كَرَامَةَ المَلِكِ إلى عَزِيزِ مِصْرَ، فَبِتَدْبِيرِ اللهِ تعالى أَخَذَ أَخَاهُ. ﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بَعْدَ أَنْ جُعِلَتِ السِّقَايَةُ في رَحْلِ بِنْيَامِينَ نَادَى مُنَادٍ: ﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾. يَعْنِي: يَا أَصْحَابَ العِيرِ إِنَّكُمْ، لَمْ يُحَدِّدِ الـسَّرِقَةَ، وَلَمْ يُحَدِّدْ شَخْصاً بِعَيْنِهِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ المَعَارِيضِ المَنْدُوحَةِ عَنِ الكَذِبِ، لِأَنَّ القَوْمَ كَانُوا بِحَقٍّ سَارِقِينَ لِيُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ أَبِيهِمْ. ﴿قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ﴾؟ ﴿قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ﴾. وَهُنَا أَقْسَمَ إِخْوَةُ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِسَارِقِينَ، وَمَا جَاءُوا لِيُفْسِدُوا في الأَرْضِ ﴿قَالُوا تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ﴾. وَبَدَأَ الحِوَارُ المُبَرْمَجُ للوُصُولِ إلى الهَدَفِ المَرْسُومِ، وَهُوَ اسْتِبْقَاءُ بِنْيَامِينَ مَعَ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ ﴿قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ﴾؟ ﴿قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾. جُمْلَةُ ﴿فَهُوَ جَزَاؤُهُ﴾. مُؤَكِّدَةٌ للجُمْلَةِ الأُولَى ﴿جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ﴾. هَذِهِ الجُمْلَةُ إِخْبَارٌ عَنِ اسْتِحْقَاقِ المَسْرُوقِ لِرَقَبَةِ السَّارِقِ، يَعْنِي مِنْ حَقِّ الـمَسْرُوقِ أَنْ يَسْتَرِقَّ السَّارِقَ، وَالجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ إِخْبَارٌ أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ في شَرْعِنَا وَحُكْمِنَا. الجُمْلَةُ الأُولَى إِخْبَارٌ عَنِ المَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَالثَّانِيَةٌ إِخْبَارٌ عَنِ الحُكْمِ. أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: صَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾. مِنْ هَذَا الكَيْدِ لَهُ، أَنَّهُمْ حَكَمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ في اسْتِبْقَاءِ بِنْيَامِينَ عِنْدَ سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ، إِذْ كَانَ بِإِمْكَانِهِمْ أَنْ يَقُولُوا: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ هُوَ الذي سَرَقَ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِهِ في رَحْلِهِ لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ السَّرِقَةِ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ عَادِلاً لَا يَأْخُذُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ. وَكَذَلِكَ كَانَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: يُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالسَّارِقِ في دِينِكُمْ يَعْنِي في حُكْمِكُمْ، وَكَانَ حُكْمُهُمْ في مِصْرَ أَنْ يُضْرَبَ السَّارِقُ، وَيُغَرَّمَ قِيمَةَ المَسْرُوقِ مَرَّتَيْنِ، وَلَو قَالُوا ذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ لِسَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ التَّسْلِيمِ أَنْ يُلْزِمَهُمْ بِمَا لَا يُلْزِمُ بِهِ غَيْرَهُمْ. لَقَدْ صَدَقَ اللهُ تعالى إِذْ قَالَ: ﴿كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾. أَيْ: مَا كَانَ يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ في دِينِ مَلِكِ مِصْرَ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ﴾. اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ: لَكِنْ إِنْ شَاءَ اللهُ أَخَذَهُ بِطَرِيقٍ آخَرَ. خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: نَتَعَلَّمُ مِنْ هَذَا المَوْقِفِ أَنَّ عَاقِبَةَ مَنْ صَبَرَ عَلَى كَيْدِ الكَائِدِينَ، وَمَكْرِ المَاكِرِينَ، وَخِدَاعِ المُخَادِعِينَ، أَنْ يُرْجِعَ اللهُ تعالى كَيْدَهُمْ وَمَكْرَهُمْ وَخِدَاعَهُمْ في نُحُورِهِمْ؛ وَللهِ الحَمْدُ. اللَّهُمَّ امْكُرْ لَنَا وَلَا تَمْكُرْ عَلَيْنَا. آمين. تاريخ الكلمة ** ** ** الاثنين: 14/ رجب /1441هـ، الموافق: 9/ آذار / 2020م |
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |