طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ أَجْمَعَ الفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ الجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ في عَرَفَاتٍ جَمْعَ تَقْدِيمٍ في وَقْتِ الظُّهْرِ، وَبَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ جَمْعَ تَأْخِيرٍ في مُزْدَلِفَةَ وَقْتَ العِشَاءِ للحَاجِّ.
وَكَذَلِكَ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى جَوَازِ الجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَبَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ أَو تَأْخِيرٍ بِسَبَبِ السَّفَرِ، خِلَافَاً للسَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ الذينَ قَالُوا: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ الجَمْعُ للمُسَافِرِ تَقْدِيمَاً وَلَا تَأْخِيرَاً؛ وَلِكُلٍّ دَلِيلُهُ.
أَمَّا الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَالمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ بِسَبَبِ المَطَرِ المُبَلِّلِ للثِّيَابِ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ إلى جَوَازِهِ بِشُرُوطٍ، خِلَافَاً للسَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ.
فَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ لِصِحَّةِ الجَمْعِ بِسَبَبِ المَطَرِ الشُّرُوطَ التَّالِيَةَ:
أولاً: الجَمْعُ يَكُونُ جَمْعَ تَقْدِيمٍ لَا جَمْعَ تَأْخِيرٍ، لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ المَطَرِ لَيْسَتْ مُؤَكَّدَةً، فَقَدْ يَنْقَطِعُ المَطَرُ فَيُؤَدِّي إلى إِخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.
ثانياً: هَذِهِ الرُّخْصَةُ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً في مَسْجِدٍ يَأْتِيهِ مِنْ بُعْدٍ، لَا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ، وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي في بَيْتِهِ، وَأَنْ يَكُونَ المُصَلِّي يَتَأَذَّى بِالمَطَرِ في إِتْيَانِهِ.
ثالثاً: لَا يَجُوزُ الجَمْعُ إِلَّا في مَطَرٍ أَو ثَلْجٍ يُبُلُّ الثِّيَابَ، أَمَّا المَطَرُ أَو الثَّلْجُ الذي لَا يَبُلُّ الثِّيَابَ فَلَا يَجُوزُ الجَمْعُ لِأَجْلِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُتَأَذَّى بِهِ.
رابعاً: يُشْتَرَطُ وُجُودُ المَطَرِ في أَوَّلِ الصَّلَاتَيْنِ لِيُقَارِنَ المُصَلِّي الجَمْعَ، وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ المَطَرِ عِنْدَ التَّحَلُّلِ مِنَ الصَّلَاةِ الأُولَى وَيَتَّصِلُ بِأَوَّلِ الثَّانِيَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الجَمْعُ.
خامساً: إِذَا دَخَلَ المُصَلِّي في صَلَاةِ الظُّهْرِ أَو المَغْرِبِ مِنْ غَيْرِ مَطَرٍ، ثُمَّ جَاءَ المَطَرُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الجَمْعُ، لِأَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ حَدَثَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
فَيَجُوزُ الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَالمَغْرِبِ وَالعِشَاءِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ عِنْدَ السَّادَةِ الشَّافِعِيَّةِ بِالشُّرُوطِ المَذْكُورَةِ أَعْلَاهُ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ.
وَالأَخْذُ بِمَذْهَبِ السَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ أَحْوَطُ للمَرْءِ وَأَبْرَأُ لِذِمَّتِهِ وَخَاصَّةً في هَذَا العَصْرِ، وَفِي المُدُنِ خَاصَّةً، لِأَنَّ المَسَاجِدَ التي تُقَامُ فِيهَا الجَمَاعَةُ كَثِيرَةٌ وَكَثِيرَةٌ جِدَّاً، وَلَيْسَ فِيهَا بُعْدٌ لِمَنْ أَرَادَ صَلَاةَ الجَمَاعَةِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ العَهْدُ في زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّهُ في الغَالِبِ الأَعَمِّ لَا يَتَأَذَّى المُصَلِّي بِهَذَا المَطَرِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |