طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ، وَجَمَاعَةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ إلى أَنَّ الصَّغَائِرَ تُكَفِّرُ بِاجْتِنَابِ الكَبَائِرِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلَاً كَرِيمَاً﴾. وَقَوْلِهِ تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ﴾.
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ» أَخْرَجَهُ مسلم.
وَذَهَبَ الأُصُولِيُّونَ كَمَا قَالَ القُرْطُبِيُّ: إلى أَنَّه لَا يَجِبُ عَلَى القَطْعِ بِتَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ بِاجْتِنَابِ الكَبَائِرِ، وَإِنَّمَا مُحْمَلٌ ذَلِكَ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَقُوَّةِ الرَّجَاءِ، وَالمَشِيئَةُ ثَابِتَةٌ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾. قَالُوا: وَلَا ذَنْبَ عِنْدَنَا يَغْفِرُ وَاجِبَاً بِاجْتِنَابِ ذَنْبٍ آخَرَ، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَو قَطَعْنَا لِمُجْتَنِبِ الكَبَائِرِ وَمُمْتَثِلِ الفَرَائِضِ بِتَكْفِيرِ صَغَائِرِهِ قَطْعَاً لَكَانَتْ لَهُ في حُكْمِ المُبَاحِ الذي تُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا تَبِعَةَ فِيهِ، وَذَلِكَ نَقْضٌ لِعُرَى الشَّرِيعَةِ.
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئَاً يَسِيرَاً يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «وَإِنْ قَضِيبَاً مِنْ أَرَاكٍ». أخرجه مسلم.
فَقَدْ جَاءَ الوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى اليَسِيرِ كَمَا جَاءَ عَلَى الكَثِيرِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |