طباعة |
34ـ ما كان يُكِنُّ قلبه الشريف من حرص على أمته | |
34ـ ما كان يُكِنُّ قلبه الشريف من حرص على أمته مقدمة الكلمة: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ مَظَاهِرِ الرَّحْمَةِ المُهْدَاةِ بِهَذِهِ الأُمَّةِ، مَا كَانَ يُكِنُّهُ قَلْبُهُ الشَّرِيفُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِرْصٍ عَلَى أُمَّتِهِ، وَعَلَى هِدَايَتِهِمْ وَنَجَاتِهِمْ، وَخَلَاصِهِمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ غَمِّ الدُّنْيَا وَهَمِّ الآخِرَةِ، وَمَا يَأْخُذُهُ مِنَ الخَوْفِ عَلَيْهِمْ في دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، وَمِنْ كَثْرَةِ بُكَائِهِ وَحُزْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَمَا يَعِزُّ عَلَيْهِ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ، حَتَّى صَارَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يُوَاسِيهِ وَيُسَلِّيهِ، بِأَنْ لَا يُهْلِكَ نَفْسَهُ الشَّرِيفَةَ حُزْنًا وَأَسًى وَحَسْرَةً وَجَزَعًا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾. «وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ» أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا، قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا» وَفي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ لَهُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَتِ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ». وَفي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا، وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي». أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: في زَمَنِ الإِحْبَاطِ وَاليَأْسِ، في سَنَوَاتِ الشِّدَّةِ وَالبُؤْسِ، في عَصْرِ تَقَلُّبَاتِ القِيَمِ وَالمَوَازِينِ، وَفي أَوْقَاتِ نَكْسِ المَبَادِئِ وَالمَفَاهِيمِ، وَفي سَاعَاتِ قَعْقَعَةِ السِّلَاحِ وَاسْتِرْخَاصِ المُهَجِ وَالأَرْوَاحِ، وَفي زَمَنِ قَهْرِ الأَقْوِيَاءِ للضُّعَفَاءِ، وَاسْتِطَالَةِ الأَغْنِيَاءِ عَلَى الفُقَرَاءِ، مَا أَحْوَجَنَا وَأَحْوَجَ الأُمَّةَ إلى المَبَادِئِ النَّبِيلَةِ، بَلْ مَا أَحْوَجَنَا في زَمَنٍ سَلَبَ مِنَ الحَضَارَةِ لُبَّهَا، وَفَقَدَتْ رُوحَهَا وَجَوْهَرَهَا، أَنْ نُمْعِنَ النَّظَرَ في سِيرَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التي مُلِئَتْ بِكَرِيمِ الصِّفَاتِ، وَجَمِيلِ الأَخْلَاقِ وَالمَبَادِئِ، مُثُلًا وَتَطْبِيقًا، فَكَانَتْ حَضَارَةُ شَرِيعَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الحَضَارَةَ الوَحِيدَةَ التي أَسْعَدَتِ العَالَمَ. رَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: «لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ العَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ، ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ؟». فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ بُعِثَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَبِهَذَا العَطْفِ وَالرَّأْفَةِ عَامَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خُصُومَهُ وَأَعْدَاءَهُ. لَقَدْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ، وَيَعِزُّ عَلَيْهِ هَلَاكُ الأُمَّةِ بِاقْتِرَافِ الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي وَالآثَامِ، وَيَخَافُ عَلَيْهَا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ. خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ: أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَا شَكَّ أَنَّ انْتِشَارَ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، وَمُجَاهَرَةَ بَعْضِ المُسْلِمِينَ بِهَا، نَذِيرُ خَطَرٍ عَلَى الأُمَّةِ بِأَسْرِهَا، قَالَ تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾. لَقَدْ صَارَ المُصْلِحُونَ في هَذِهِ الآوِنَةِ في حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِمْ، فَهُمْ لَا يَدْرُونَ أَيَّ مُنْكَرٍ يُزيلُونَ، وَأَيَّ خَطَرٍ يُوَاجِهُونَ. إِنَّ أَعْظَمَ مَا يُزْجَرُ بِهِ كُلُّ مُسْتَهِينٍ بِحُرُمَاتِ اللهِ عَذَابُ اللهِ الذي أَعَدَّهُ للمُخَالِفِينَ المُتَمَرِّدِينَ عَلَى عُبُودِيَّتِهِ، الجَاحِدِينَ لِنِعَمِ اللهِ عَلَيْهِمْ، المُبَارِزِينَ لِجَبَّارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بِالمَعَاصِي، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. وَرَبُّنَا يُقْسِمُ بِأَنَّ الجَمِيعَ في خَسَارَةٍ إِلَّا الذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، قَالَ تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾. اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنَ النَّارِ. آمين. ** ** ** تاريخ الكلمة: الاثنين: 10/رجب /1445هـ، الموافق: 22/كانون الثاني / 2024م |
|
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |