طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَالَتِ الحَنَفِيَّةُ: مَا وَرَدَ بِهِ السَّمْعُ ـ أَيْ بِالأَحَادِيثِ وَالقُرْآنِ ـ مِنْ وَعْدِ الرِّزْقِ، وَوَعْدِ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَعَلَى أَلَمِ المُؤْمِنِ، وَأَلَمْ طِفْلِهِ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا، كُلَّهُ بِالفَضْلِ مِنْهُ تعالى، وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ لِوَعْدِهِ الصَّادِقِ تَبَارَكَ وتعالى.
وَلَكِنْ هَذَا الفَضْلُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى وُجُودِ الصَّبْرِ عَلَى المَصَائِبِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾.
لِذَلِكَ قَالَ سُلْطَانُ العُلَمَاءِ العِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: إِنَّ المَصَائِبَ نَفْسَهَا لَا ثَوَابَ فِيهَا ـ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الكَسْبِ ـ بَلْ في الصَّبْرِ عَلَيْهَا ـ وَالصَّبْرُ مِنْ كَسْبِ الإِنْسَانِ ـ فَإِنْ لَمْ يَصْبِرْ كَفَّرَتِ الذَّنْبَ.
والذي يُؤَكِّدُ هَذَا الكَلَامَ مَا رَوَاهُ البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذَىً، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». النَّصَبُ: التَّعَبُ. الوَصَبُ: المَرَضُ.
فَتَكْفِيرُ الخَطَايَا بِالمَصَائِبِ بِدُونِ شَرْطٍ، وَالأَجْرُ عَلَى الُمِصيَبِة بِشَرْطِ الصَّبْرِ عَلَيْهَا. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |