920ـ خطبة الجمعة: أصدق الناس طوية

920ـ خطبة الجمعة: أصدق الناس طوية

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: مُهِمَّتُنَا مُهِمَّةُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، قَالَ تعالى: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. وَقَالَ: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾.

مُهِمَّتُنَا الإِبْلَاغُ، وَاللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، وَهُوَ الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، مُهِمَّتُنَا الإِبْلَاغُ وَالنُّصْحُ وَالتَّذْكِيرُ مَعَ سَلَامَةِ القَلْبِ، وَاسْتِحْضَارِ قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾.

﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: ذَكَرْتُ لَكُمْ في الأُسْبُوعِ المَاضِي أَنَّهُ مِنَ الوَاجِبِ عَلَى كُلِّ رَاعٍ فِينَا أَنْ يَسُوسَ رَعِيَّتَهُ بِالأَخْلَاقِ وَاللُّطْفِ وَاللِّينِ وَالرِّفْقِ، وَأَنْ يَتَجَنَّبَ الفَظَاظَةَ وَالغَلَاظَةَ مَعَ رَعِيَّتِهِ، قَالَ تعالى مُخَاطِبًا سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾.

لَقَدْ كَانَ الرَّاعِي الأَعْظَمُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي أَرْسَلَهُ اللهُ تعالى للنَّاسِ كَافَّةً، يَسُوسُ النَّاسَ جَمِيعًا بِأَخْلَاقِهِ السَّامِيَةِ العَالِيَةِ، حَتَّى شَهِدَ اللهُ تعالى لَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.

وَقَدْ كَانَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَبُورًا حَلِيمًا عَلَيْهِمْ مَعَ غَلَاظَتِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ الصَّبْرِ كَانَ يَدْعُو لَهُمْ، مَعَ الحُزْنِ وَالأَسَى عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا، حَتَّى قَالَ تعالى لَهُ في كِتَابِهِ العَظِيمِ: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾.

سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَصْدَقُ النَّاسِ طَوِيَّةً:

يَا عِبَادَ اللهِ: أَقُولُ لِكُلِّ رَاعٍ فِينَا، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ: انْظُرُوا إلى الرَّاعِي الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، تَجِدُوهُ أَصْدَقَ النَّاسِ طَوِيَّةً، تَجِدُوهُ مُجَرَّدًا مِنْ حُظُوظِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ، تَجِدُوهُ قَدْ عَاشَ مِنْ أَجْلِ تَبْلِيغِ رِسَالَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، تَجِدُوهُ قَدْ عَاشَ يَحْمِلُ هَمَّ أُمَّتِهِ، وَهَمَّ النَّاسِ جَمِيعًا، حَتَّى عَاتَبَهُ مَوْلَانَا عِتَابَ الحَبِيبِ لِحَبِيبِهِ حَتَّى لَا يُحَمِّلَ نَفْسَهُ مَا لَمْ تَحْتَمِلْ، فَقَالَ تعالى لَهُ: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾. وَقَالَ لَهُ: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾. وَقَالَ لَهُ: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾. وَقَالَ لَهُ: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ﴾.

نَعَمْ يَا عِبَادَ اللهِ، صَدَقَ مَنْ وَصَفَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا أَيُّهَا الرَّاعِي مِنْ أَيِّ صِنْفٍ كُنْتَ، هَلْ تَحَلَّيْتَ بِأَخْلَاقِ الرَّاعِي الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَعَامَلْتَ رَعِيَّتَكَ بِالأَخْلَاقِ، وَسَعَةِ الصَّدْرِ وَالحِلْمِ وَالوَصْلِ وَالعَفْوِ وَالإِحْسَانِ؟

هَلْ كَانَتِ الحَسْرَةُ في قَلْبِكَ عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَتَجَاوَبُوا مَعَكَ؟

يَا أَيُّهَا الرَّاعِي، تَعَامَلْ مَعَ رَعِيَّتِكَ بِالأَخْلَاقِ، فَإِنْ لَمْ تَرَ اسْتِجَابَةً مِنْهُمْ لِلْحَقِّ وَالانْصِيَاعَ لَهُ، وَضَاقَ صَدْرُكَ بِسَبَبِ إِعْرَاضِهِمْ، فَتَذَكَّرْ مَا أَوْجَبَهُ اللهُ تعالى عَلَى الرَّاعِي الأَعْظَمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، الذي كَادَ أَنْ يُزْهِقَ نَفْسَهُ الشَّرِيفَةَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تعالى لَهُ: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾.

فِي الخِتَامِ: وَاللهِ الذي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، مَا أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ، وَلَا أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ أَكْرَمَ خُلُقًا، وَلَا أَزْكَى نَفْسًا مِنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا رَأَتْ عَيْنٌ وَلَنْ تَرَى كَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حَرِيصًا عَلَى هِدَايَةِ النَّاسِ جَمِيعًا، لِأَنَّهُ الرَّاعِي لَهُمْ.

فَهَلْ يَا أَيُّهَا الرَّاعِي سَلَكْتَ هَذَا المَنْهَجَ الذي سَلَكَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، تَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾.

اللَّهُمَّ خَلِّقْنَا بِأَخْلَاقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 27/ محرم /1446هـ، الموافق: 2/ آب / 2024م