216ـ إذا عرفت حقيقة الدنيا فلن تحزن

216ـ إذا عرفت حقيقة الدنيا فلن تحزن

مقدمة الكلمة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَنْ عَرَفَ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا فَلَنْ يَحْزَنَ، خُلِقَتِ الدُّنْيَا وَنَعِيمُهَا مَمْزُوجٌ بِالأَكْدَارِ، فَكَيْفَ بِأَكْدَارِهَا؟! قَالَ تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.

الأَصْلُ في هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنَّهَا لَا تَصْفُو مِنْ كَدَرٍ، وَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى مَا رَضِيَهَا أَنْ تَكُونَ مُسْتَقَرًّا لِأَوْلِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ.

وَلَوْلَا أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ ابْتِلَاءٍ لَمْ تَكُنْ فِيهَا الأَمْرَاضُ وَالأَكْدَارُ، وَلَمْ يَضِقِ العَيْشُ فِيهَا عَلَى الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ وَالأَصْفِيَاءِ.

كَمْ عَانَى سَيِّدُنَا آدَمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا؟ وَكَمْ عَانَى سَيِّدُنَا نُوحٌ، وَسَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ، وَسَيِّدُنَا يَعْقُوبُ، وَسَيِّدُنَا مُوسَى، وَسَيِّدُنَا عِيسَى، وَسَيِّدُنَا يُوسُفُ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؟ وَكَانَ أَشَدَّهُمْ مُعَانَاةً سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

وَعَانَى مِنْ بَعْدِهِ الصَّحْبُ الكِرَامُ وَآلُ البَيْتِ الأَطْهَارُ رَضِيَ اللهُ عَنِ الجَمِيعِ؛ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ سَائِرَ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ.

الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مَا خُلِقَتِ الدُّنْيَا لِلَّذَّةِ، بَلْ هِيَ سِجْنٌ لِلْمُؤْمِنِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

سُجِنَ فِيهَا بَعْضُ الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَابْتُلِيَ فِيهَا العُلَمَاءُ العَامِلُونَ، وَتَنَغَّصَ فِيهَا كِبَارُ الأَوْلِيَاءِ، وَتَكَدَّرَ الصَّادِقُونَ.

هَذَا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «إِنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ.

وَبِقَوْلِهِ: «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

وَرَوَى الحَاكِمُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا كَفَاهُ اللهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ لَمْ يُبَالِ اللهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَةِ الدُّنْيَا هَلَكَ».

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: عِنْدَمَا عَرَفَ الأَنْبِيَاءُ وَالمُرْسَلُونَ وَالأَوْلِيَاءُ وَالصَّالِحُونَ حَقِيقَةَ هَذِهِ الدُّنْيَا، مَا حَزِنُوا ـ مَعَ وُجُودِ الأَلَمِ ـ لِأَنَّهُمْ يَعِيشُونَ حَيَاةَ الأَمَلِ ﴿وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾. وَوَعْدُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُخْلَفُ.

في الخِتَامِ: المُؤْمِنُ مَأْمُورٌ بِحُسْنِ الظَّنِّ بِاللهِ تعالى عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكُلَّمَا زَادَ إِيمَانُ العَبْدِ حَسُنَ ظَنُّهُ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِذَا نَقَصَ الإِيمَانُ ـ لَا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ سَاءَتْ ظُنُونُ العَبْدِ بِاللهِ تعالى، رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي».

اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا نِعْمَةَ حُسْنِ الظَّنِّ بِكَ وَبِعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ. آمين.

**    **    **

تاريخ الكلمة:

الاثنين: 1/ صفر /1446هـ، الموافق: 5/آب / 2024م