طباعة |
23ـ «هَلُمَّهُ، فَإِنَّ اللهَ سَيَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ» | |
23ـ «هَلُمَّهُ، فَإِنَّ اللهَ سَيَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ» الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ بِهَا مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ حَبِيبَهُ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، مَا رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لِأُمِّ سُلَيْمٍ: قَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ ثَوْبِي وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ»؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: «أَلِطَعَامٍ؟». فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ مَعَهُ: «قُومُوا». قَالَ: فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتْ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟». فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً (العُكَّةُ: الوِعَاءُ الذي يَكُونُ فِيهِ السَّمْنُ) لَهَا فَأَدَمَتْهُ (خَلَطَتْهُ بِالخُبْزِ وَجَعَلَتْهُ أُدُمًا). ثُمَّ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ». فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ»، فَأَذِنَ لَهُمْ فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ». حَتَّى أَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ وَشَبِعُوا، وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ رَجُلًا أَوْ ثَمَانُونَ. يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ الشَّرِيفُ: التَّرْغِيبُ وَالحَثُّ عَلَى خُلُقِ الإِيثَارِ، الذي هُوَ مِنْ مَحَاسِنِ هَذَا الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، وَالذي هُوَ مَرْتَبَةٌ رَاقِيَةٌ مِنْ مَرَاتِبِ البَذْلِ وَالعَطَاءِ، وَقَدْ أَثْنَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَصْحَابِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى كُلِّ مَنْ تَحَلَّى بِهَذَا الخُلُقِ العَظِيمِ، وَبَيَّنَ تَبَارَكَ وتعالى أَنَّ أَهْلَ الإِيثَارِ هُمُ المُفْلِحُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾. وَالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾ هَلْ رَاجِعٌ عَلَى الطَّعَامِ أَمْ عَلَى اللهِ تعالى؟ بَعْضُهُمْ أَرْجَعَهُ عَلَى الطَّعَامِ، يَعْنِي: يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّ الطَّعَامِ، لِقِلَّتِهِ عِنْدَهُمْ، وَحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ: رَاجِعٌ عَلَى حُبِّ اللهِ تعالى، رَجَاءَ ثَوَابِ اللهِ تعالى وَنَعِيمِهِ وَفَضْلِهِ. وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا لِحُبِّ الطَّعَامِ بِسَبَبِ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ، مَعَ حُبِّهِمْ للهِ تعالى طَمَعًا بِثَوَابِهِ. حَتَّى وَلَو كَانَ هَذَا الإِيثَارُ مِنْ مُنْطَلَقِ الفِطْرَةِ وَالغَرِيزَةِ، كَالَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ». وَفِي رِوَايَةٍ للإِمَامِ البُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أُمَّهُ، عَمَدَتِ الى مُدٍّ مِنْ شَعِيرٍ جَشَّتْهُ (جَعَلَتْهُ جَشِيشًا وَهُوَ الدَّقِيقُ غَيْرُ النَّاعِمِ) وَجَعَلَتْ مِنْهُ خَطِيفَةً (هُوَ لَبَنٌ يُذَرُّ عَلَيْهِ الدَّقِيقُ ثُمَّ يُطْبَخُ فَيَلْعَقُهُ النَّاسُ وَيَخْتَطِفُونَهُ بِسُرْعَةٍ) وَعَصَرَتْ عُكَّةً عِنْدَهَا، ثُمَّ بَعَثَتْنِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ فَدَعَوْتُهُ، قَالَ: «وَمَنْ مَعِي؟». فَجِئْتُ فَقُلْتُ: إِنَّهُ يَقُولُ: وَمَنْ مَعِي؟ فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَبُو طَلْحَةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ، فَدَخَلَ فَجِيءَ بِهِ. وَقَالَ: «أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً» فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: «أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً» فَدَخَلُوا فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ قَالَ: «أَدْخِلْ عَلَيَّ عَشَرَةً» حَتَّى عَدَّ أَرْبَعِينَ. ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ، هَلْ نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ. وَفِي رِوَايَةٍ للإِمَامِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِأَدْعُوَهُ وَقَدْ جَعَلَ طَعَامًا. قَالَ: فَأَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّاسِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَاسْتَحْيَيْتُ، فَقُلْتُ: أَجِبْ أَبَا طَلْحَةَ. فَقَالَ لِلنَّاسِ: «قُومُوا». فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا صَنَعْتُ لَكَ شَيْئًا. قَالَ: فَمَسَّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: «أَدْخِلْ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِي عَشَرَةً» وَقَالَ: «كُلُوا»، وَأَخْرَجَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا فَخَرَجُوا، فَقَالَ: «أَدْخِلْ عَشَرَةً»، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، فَمَا زَالَ يُدْخِلُ عَشَرَةً وَيُخْرِجُ عَشَرَةً حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَ، فَأَكَلَ حَتَّى شَبِعَ، ثُمَّ هَيَّأَهَا فَإِذَا هِيَ مِثْلُهَا حِينَ أَكَلُوا مِنْهَا. وَفِي رِوَايَةٍ للإِمَامِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ...... وَقَالَ فِي آخِرِهِ: ثُمَّ أَخَذَ مَا بَقِيَ فَجَمَعَهُ، ثُمَّ دَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ، قَالَ: فَعَادَ كَمَا كَانَ، فَقَالَ: «دُونَكُمْ هَذَا». وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَمَرَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ أَنْ تَصْنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، ثُمَّ أَرْسَلَنِي إِلَيْهِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِيهِ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ وَسَمَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ». فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا، فَقَالَ: «كُلُوا وَسَمُّوا اللهَ». فَأَكَلُوا حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِثَمَانِينَ رَجُلًا. ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْبَيْتِ، وَتَرَكُوا سُؤْرًا (وَهُوَ البَقِيَّةُ). وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ فِي طَعَامِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ فِيهِ: فَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى الْبَابِ حَتَّى أَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ يَسِيرٌ. قَالَ: «هَلُمَّهُ، فَإِنَّ اللهَ سَيَجْعَلُ فِيهِ الْبَرَكَةَ». وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَأَكَلَ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَأَفْضَلُوا مَا أَبْلَغُوا جِيرَانَهُمْ (أَيْ: وَزَادَ مِنَ الطَّعَامِ مَا كَفَى جِيرَانَهُمْ). وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَى أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي الْمَسْجِدِ يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، فَأَتَى أُمَّ سُلَيْمٍ، فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي الْمَسْجِدِ يَتَقَلَّبُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ وَأَظُنُّهُ جَائِعًا، وَسَاقَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ: ثُمَّ أَكَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ، وَأُمُّ سُلَيْمٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَفَضَلَتْ فَضْلَةٌ فَأَهْدَيْنَاهُ لِجِيرَانِنَا. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: جِئْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُهُمْ، وَقَدْ عَصَّبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ (كِنَايَةً عَنْ شِدَّةِ الحَالِ، وَقِيلَ حَقِيقَةً، وَهِيَ عَادَتُهُمْ بِالحِجَازِ لِأَنَّ بَرْدَ الحَجَرِ يَصِلُ إِلَى بَاطِنِ الأَحْشَاءِ فَتَبْرُدُ حَرَارَةُ الجُوعِ). قَالَ أُسَامَةُ: وَأَنَا أَشُكُّ عَلَى حَجَرٍ. فَقُلْتُ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: لِمَ عَصَّبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَطْنَهُ؟ فَقَالُوا: مِنَ الْجُوعِ، فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ وَهُوَ زَوْجُ أُمِّ سُلَيْمٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَتَاهُ، قَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ عَصَّبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَقَالُوا: مِنَ الْجُوعِ. فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّي، فَقَالَ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ وَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ جَاءَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ أَشْبَعْنَاهُ، وَإِنْ جَاءَ آخَرُ مَعَهُ قَلَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ سَائِرَ الْحَدِيثِ بِقِصَّتِهِ. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حَقَّ الحَيَاءِ مِنْكَ. آمين. ** ** ** تاريخ الكلمة: الجمعة: 12/ صفر /1446هـ، الموافق: 16/ آب / 2023م |
|
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |