925ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (1)

925ـ خطبة الجمعة: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم (1)

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ وَهَبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ البَشَرِيَّةَ حَيَاةَ سَعَادَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ، وَرُوحًا نَاضِرَةً، وَذَلِكَ بِظُهُورِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إلى اللهِ تعالى بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا.

بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَ اللهُ تعالى النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، إلى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ، وَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وُقُلُوبًا غُلْفًا؛ فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَمْسًا أَضْوَأَ مِنْ شُمُوسِ الكَوْنِ، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للأَرْضِ أَطْهَرَ مِنْ طَهُورِ الغَيْثِ، بَعْدَمَا اشْتَدَّ عَطَشُهَا، وَطَالَ جَدْبُهَا، وَأَقْفَرَ رَوْضُهَا، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للأَجْسَادِ المَرْيضَةِ كَالعَافِيَةِ وَالحُبُورِ، وَللعُقُولِ السَّقِيمَةِ كَالبَلْسَمِ الطَّهُورِ.

﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾:

يَا عِبَادَ اللهِ: مِنَ المُؤْسِفِ أَنْ تَرَى بَعْضَ المُسْلِمِينَ في هَذَا الزَّمَنِ لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا عَنْ نَبِيِّهِمْ وَرَسُولِهِمْ إِلَّا النَّزْرَ اليَسِيرَ، وَقَدْ عَابَ اللهُ تعالى عَلَى أَقْوَامٍ في زَمَنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ في حَقِّهِمْ: ﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: خَيْرُ مَنْ يُعَرِّفُنَا عَلَى شَخْصِيَّةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ خِلَالِ القُرْآنِ العَظِيمِ.

لَقَدْ أَوْلَى اللهُ تعالى هَذِهِ الشَّخْصِيَّةَ العَظِيمَةَ في كِتَابِهِ العَظِيمِ اهْتِمَامًا بَالِغًا بِمَا يَمْلَأُ قَلْبَ العَاقِلِ المُنْصِفِ يَقِينًا أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ رَسُولُ اللهِ حَقًّا وَصِدْقًا، وَأَنَّهُ خَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

مَكَانَتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ:

مَقَامُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفي المَلَأِ الأَعْلَى يَتَجَلَّى مِنْ خِلَالِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، قَالَ تعالى: ﴿يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.

وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الذِّكْرِ أَوَّلٌ وَفي البَعْثِ خَاتَمٌ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا﴾.

وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ نَبِيٌّ أُمِّيٌّ، لَا عِلْمَ لَهُ بِكِتَابٍ، وَلَمْ يَخُطَّ شَيْئًا بِيَمِينِهِ الشَّرِيفَةِ، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾.

وَكَانَ فَضْلُ اللهِ تعالى عَلَيْهِ عَظِيمًا، قَالَ تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾.

وَرَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ بَعْدَ أَنْ شَرَحَ اللهُ تعالى صَدْرَهُ، فَقَالَ تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾.

وَأَعْطَاهُ الكَوْثَرَ، وَهُوَ الخَيْرُ الكَثِيرُ الذي مِنْ جُمْلَتِهِ نَهْرُ الكَوْثَرِ، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾.

وَبَيَّنَ تَبَارَكَ وتعالى أَنَّ كَلَامَهُ الشَّرِيفَ وَحْيٌ يُوحَى، فَقَالَ تعالى: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾.

وَقَدْ بَيَّنَ تَبَارَكَ وتعالى أَنَّ بَيْعَةَ العِبَادِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هِيَ في الحَقِيقَةِ بَيْعَةٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.

جَعَلَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ طَاعَتَهُ عَيْنَ طَاعَةِ اللهِ تعالى، فَقَالَ تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾.

كَمَا حَذَّرَ مِنْ مُخَالَفَتِهِ أَيَّمَا تَحْذِيرٍ، فَقَالَ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

وَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾.

وَبَشَّرَهُ بِالمَغْفِرَةِ وَالفَتْحِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ ابْتِدَاءً، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْرًا عَزِيزًا﴾.

وَبَيَّنَ تَبَارَكَ وتعالى أَنَّ مَحَبَّةَ العَبْدِ للهِ تعالى لَا تَصْدُقُ إِلَّا بِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: هَلْ عَرَفْتُمْ مَنْ هُوَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟ هَلْ عَرَفْتُمْ مَكَانَتَهُ عِنْدَ اللهِ تعالى رَافِعِ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ؟ هَلْ عَرَفْتُمْ مَكَانَتَهُ عِنْدَ خَالِقِنَا جَلَّ وَعَلَا؟

لَيْسَ فَوْقَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ مِنَ البَشَرِ؛ فَمَا هِيَ صِلَتُنَا بِهَذَا الحَبِيبِ الكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حَقَّ الحَيَاءِ مِنْكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 3/ ربيع الأول /1446هـ، الموافق: 6/ أيلول / 2024م