927ـ خطبة الجمعة: الأدب معه صلى الله عليه وسلم

927ـ خطبة الجمعة: الأدب معه صلى الله عليه وسلم

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ العَظِيمَ بِتَدَبُّرٍ وَإِنْصَافٍ، فَإِنَّهُ يَجِدُ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ يَدْعُو جَمِيعَ العُقَلَاءِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ إلى الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هُوَ الرَّحْمَةُ المُهْدَاةُ، وَهُوَ المَثَلُ الأَعْلَى، وَهُوَ الهَادِي البَشِيرُ النَّذِيرُ، وَهُوَ السِّرَاجُ المُنِيرُ، كَيْفَ لَا، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ القُدْوَةُ الكَامِلَةُ، وَالأُسْوَةُ الحَسَنَةُ، لِكُلِّ مَنْ يَرْجُو اللهَ واليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا؟

يَا عِبَادَ اللهِ: مَا تَخَلَّفَتِ الأُمَّةُ اليَوْمَ إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَخَلَّفَتْ عَنِ الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَمَا تَجَرَّعَ أَفْرَادُ الأُمَّةِ مَرَارَةَ حَيَاةِ الشَّقَاءِ وَالضَّنْكِ إِلَّا بَعْدَ أَنِ ابْتَعَدُوا عَنْ سِيرَتِهِ العَطِرَةِ الرَّائِعَةِ، وَعَنْ هَدْيِهِ الشَّرِيفِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَرَكَضُوا خَلْفَ مَنْ أُوتِيَ شَيْئًا مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا، فَجَعَلُوهُ أُسْوَةً وَقُدْوَةً لَهُمْ.

أَوْجَبَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا الأَدَبَ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ:

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ تعالى عَلَيْنَا التَّأَدُّبَ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ جَمِيعًا، فَقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

هَذَا الحُكْمُ بَاقٍ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَالتَّقَدُّمُ بَيْنَ يَدَيْ سُنَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ انْتِقَالِهِ إلى الرَّفِيقِ الأَعْلَى كَالتَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيْهِ في حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

ثُمَّ هُنَاكَ أَدَبٌ آخَرُ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾.

وَهَذَا الأَدَبُ في حَالِ حَيَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَفي حَالِ انْتِقَالِهِ إلى عَالَمِ البَرْزَخِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: اسْمَعُوا إلى قِصَّةِ الإِمَامِ مَالِكٍ مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، جَاءَ في كِتَابِ الشِّفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ للقَاضِي عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: فَصْلٌ في تَعْظِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ ـ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ـ قَالَ: نَاظَرَ أَبُو جَعْفَرٍ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ مَالِكًا في مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ في هَذَا المَسْجِدِ، فَإِنَّ اللهَ تعالى أَدَّبَ قَوْمًا فَقَالَ: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾. وَمَدَحَ قَوْمًا فَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾. وَذَمَّ قَوْمًا فَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾. وَإِنَّ حُرْمَتَهُ مَيْتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا.

فَاسْتَكَانَ لَهَا أَبُو جَعْفَرٍ وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللِه، أَأَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ وَأَدْعُو، أَمْ أَسْتَقْبِلُ رَسُولَ اللِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟

فَقَالَ: وَلِمَ تَصْرِفُ وَجْهَكَ عَنْهُ وَهُوَ وَسِيلَتُكَ وَوَسِيلَةُ أَبِيكَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلى اللهِ تعالى يَوْمَ القِيَامَةِ؟ بَلِ اسْتَقْبِلْهُ وَاسْتَشْفِعْ بِهِ فَيُشَفِّعَهُ اللهُ، قَالَ اللهُ تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ يُعِيدَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا عِزَّهَا السَّامِيَ الَّذِي ذَهَبَ، أَنْ تَرْجِعَ إلى الأَدَبِ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَلَا تُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَلْتَزِمَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾.

وَإِلَّا فَقَدْ عَرَّضَتِ الأُمَّةُ نَفْسَهَا لِلْفِتْنَةِ أَوِ العَذَابِ الأَلِيمِ، قَالَ تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

في الخِتَامِ: مَنْ أَرَادَ الهِدَايَةَ إلى طَرِيقِ الجَنَّةِ، وَالهِدَايَةَ إلى الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ، وَالهِدَايَةَ إلى مَرْضَاةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَعَلَيْهِ بِالْتِزَامِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾.

وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ، فَلْيُطِعْ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ طَاعَةً مُطْلَقَةً، وَلْيَتَأَدَّبْ مَعَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِذَلِكَ. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 17/ ربيع الأول /1446هـ، الموافق: 20/ أيلول / 2024م