932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

932ـ خطبة الجمعة: مهمتنا أيام الكرب والغمة

مقدمة الخطبة:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

فَيَا عِبَادَ اللهِ: أَحْوَالٌ عَصِيبَةٌ، وَظُرُوفٌ رَهِيبَةٌ تُحِيطُ بِأَهْلِ بِلَادِ الشَّامِ في هَذِهِ الأَيَّامِ، نَرَى صُوَرًا مُحْزِنَةً، أُمَّةٌ في مَجْمُوعِهَا كَأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، أُمَّةٌ قَالَ اللهُ تعالى فِيهَا: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾.

وَقَالَ في حَقِّهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا.

أُمَّةُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في الأَصْلِ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكِنَّهَا اليَوْمَ ـ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ ـ بِآرَاءَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَأَفْكَارٍ مُتَبَايِنَةٍ، وَغَدَتْ وَحْدَتُهَا بَعِيدَةً.

أُمَّةُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ التي كَانَتْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ، يَقِينُهَا صَارَ ضَعِيفًا، وَسُلُوكُهَا صَارَ مُنْحَرِفًا، وَصِدْقُهَا صَارَ قَلِيلًا، وَبَأْسُهَا صَارَ بَيْنَهَا شَدِيدًا، تَزْدَادُ ضَعْفًا إلى ضَعْفٍ، ذَهَبَ رِيحُهَا، وَتَسَلَّطَ عَلَيْهَا عَدُوُّهَا، وَالأُمَّةُ كُلُّهَا مَسْؤُولَةٌ عَنِ الأُمَّةِ كُلِّهَا، وَأَوَّلُ طَرِيقِ الإِصْلَاحِ أَنْ يَشْعُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنَّهُ مَسْؤُولٌ هُوَ عَنِ الأُمَّةِ كُلِّهَا، وَأَنْ يَبْدَأَ بِإِصْلَاحِ نَفْسِهِ.

مُهِمَّتُنَا أَيَّامِ الكَرْبِ وَالغُمَّةِ:

يَا عِبَادَ اللهِ: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ مُهِمَّتَنَا أَيَّامَ الكَرْبِ وَالغُمَّةِ، عَلَيْنَا يَا عِبَادَ اللهِ:

أَوَّلًا: أَنْ نَزِيدَ في إِيمَانِنَا وَيَقِينِنَا أَنَّ إِسْلَامَنَا هُوَ دِينُ الكَمَالِ وَالإِتْمَامِ، قَالَ تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾. وَقَالَ في حَقِّ القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾. وَأَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾. وَأَنَّ طَاعَتَهُ وَاجِبَةٌ وَلَا خِيَارَ لِلْمُؤْمِنِ في قَضَاءِ اللهِ تعالى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾.

ثَانِيًا: أَنْ نَصْبِرَ وَنُصَابِرَ، نَصْبِرَ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَنَصْبِرَ عَلَى تَرْكِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، وَنَصْبِرَ عَلَى البَلَاءِ، وَأَنْ نَكُونَ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ مَا أَصَابَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَنَا، وَمَا أَخْطَأَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَنَا، فَإِنْ مِتْنَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ دَخَلْنَا النَّارَ.

عَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَ قَوْلَ اللهِ تعالى وَوَعْدَهُ الَّذِي لَا يُخْلَفُ: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

العَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، رَضِيَ مَنْ رَضِيَ، وَشَكَّ فِيهِ مَنْ شَكَّ؛ قَدْ يَتَأَخَّرُ النَّصْرُ يَوْمًا، وَلَكِنَّهُ قَادِمٌ لَا مَحَالَةَ، كَمَا بَيَّنَ مَوْلَانَا في كِتَابِهِ العَظِيمِ حِينَ قَالَ الصَّحْبُ الكِرَامُ: ﴿مَتَى نَصْرُ اللهِ﴾ فَجَاءَ الجَوَابُ: ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾.

خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ كَانَ مَعَ اللهِ تعالى كَانَ اللهُ تعالى مَعَهُ، وَلَو كَانَ العَبْدُ ضَعِيفًا، أَلَمْ يَكُنْ فِرْعَوْنُ صَاحِبَ قُوَّةٍ وَبَطْشٍ وَجَبَرُوتٍ؟ أَلَمْ يَقُلْ: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾؟ لَكِنْ عِنْدَمَا قَالَ أَصْحَابُ سَيِّدِنَا مُوسَى: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾. قَالَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِلِسَانِ الإِيمَانِ وَاليَقِينِ: ﴿كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾. فَانْفَلَقَ البَحْرُ، وَنَجَا سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمَنْ مَعَهُ، وَغَرِقَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ مَعَهُ، وَذَهَبَتْ قُوَّتُهُ بِجُنْدِيٍّ مِنْ جُنُودِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.

أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَوْمَ الغَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ.

فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» رَوَاهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

يَا عِبَادَ اللهِ: مَنْ كَانَ يَقِينُهُ عَظِيمًا، وَإِيمَانُهُ رَاسِخًا، وَكَانَ صَابِرًا عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ، وَصَابِرًا عَلَى تَرْكِ المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ، وَصَابِرًا عَلَى الابْتِلَاءَاتِ، وَكَانَتْ حِبَالُهُ مَوْصُولَةً بِاللهِ تعالى، وَقَلْبُهُ مُتَعَلِّقًا بِاللهِ تعالى، وَكَانَ تَوَكُّلُهُ عَلَى اللهِ تعالى صَادِقًا، وَكَانَتْ تَوْبَتُهُ دَائِمَةً، كَانَ اللهُ تعالى مَعَهُ مُؤَيِّدًا وَحَافِظًا وَنَاصِرًا وَمُعِينًا.

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

**    **    **

تاريخ الخطبة:

الجمعة: 27/ جمادى الأولى /1446هـ، الموافق: 29/ تشرين الأول / 2024م