طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: ربُّنا عز وجل أخفى رضاه في طاعته، وأخفى سخطه في معصيته، فامرأة دخلت الجنة لأنها سقت كلباً جرعة ماء، وامرأة دخلت النار في هرَّة حبستها، فيجب على العبد أن لا يستهين بالمعصية ولو كانت صغيرة، لأن الإصرار على الصغيرة كبيرة، فكيف بارتكاب الكبيرة والإصرار عليها؟
ثانياً: حذَّرنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من الخلوة بالنساء الأجنبيات، فقال: (إِيَّاكُمْ وَالْخَلْوَةَ بِالنِّسَاءِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَلا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إِلا دَخَلَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا، وَلَيَزْحَمُ رَجُلٌ خِنْزِيرًا مُتَلَطِّخًا بِطِينٍ، أَوْ حَمْأَةٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَزْحَمَ مَنْكِبُهِ مَنْكِبَ امْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ) رواه الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه. وأشدُّ الفتن على الرجال هي فتنة النساء، يقول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (ما تركت بعدي فتنةً أضر من فتنة النساء للرجال) رواه الطبراني في الأوسط عن أسامة بن زيد رضي الله عنه.
ثالثاً: الشرع لم يخص اسم الزنى بما يوجب الحدَّ منه بل هو أعم، والموجب للحدِّ منه بعض أنواعه، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ) رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.
رابعاً: الزنى الذي يقام على فاعله الحدُّ هو من أكبر الكبائر بعد الشرك والقتل، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا}. وحتى لا يقع العبد في هذه الكبيرة قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}. فالله تعالى يقول: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى}. ما قال: ولا تزنوا، من هذا المنطلق حرَّم الإسلام جميع مقدِّمات الزنى، حرَّم النظر، وحرَّم المصافحة، وحرَّم الكلام الفاحش، وحرَّم الخلوة، كلُّ ذلك حتى لا يقع العبد في تلك الكبيرة.
خامساً: الجزاء من جنس العمل، ويجب على المؤمن بل على العاقل أن يعامل الآخرين كما يحب أن يعامله الآخرون، وروحي الفداء لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عندما جاءه شاب يستأذنه بالزنى فقال له: (أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟ قَالَ: لا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟ قَالَ: لا وَاللهِ يَا رَسُولَ الله جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟ قَالَ: لا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاتِهِمْ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللهمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ) رواه الإمام أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه.
وبناء على ذلك:
فما فعله الرجل من خلوة مع امرأة أجنبية، وحصل الذي حصل بينهما من غير اقتراف فاحشة الزنى، هو كبيرة من الكبائر، فيجب عليهما أن يتوبا إلى الله توبة صادقة، وأن يجزما على عدم العود إلى مثل ذلك، وكما يجب عليهما قطع العلاقة بينهما حتى لا يجرا العار للعائلتين بهذه المخالفة، وربما أن يصل الأمر إلى سفك الدماء لا قدَّر الله تعالى، وأن لا يغترَّا بستر عليهما إن لم يتوبا إلى الله تعالى.
وما دام أنه ما ارتكب الفاحشة ـ فاحشة الزنا ـ معها فلا يجب عليهما الجلد إن لم يكونا محصنين، أو الرجم إن كانا محصنين.
أسأل الله تعالى أن لا يجعل مصيبتنا في ديننا ولا في أعراضنا. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |