السؤال :
مَا هُوَ الحُكْمُ الشَّرْعِيُّ في سَمَاعِ الأَغَانِي القَدِيمَةِ أَمْثَالِ عَبْدِ الحَلِيمِ وَأُمِّ كُلْثُومٍ وَغَيْرِهِمَا؟ وَمَا هُوَ رَأْيُكُمُ الشَّخْصِيُّ في المَسْأَلَةِ؟ وَمَا نَصِيحَتُكُمْ لِمَنْ يَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ شَدِيدٍ بِهِ وَإِنَّمَا فَقَطْ لِأَوْقَاتٍ قَلِيلَةٍ؟ هَلِ المُحَرَّمُ بِشَأْنِ سَمَاعِ الغِنَاءِ هُوَ سَمَاعُ المُوسِيقَا في الكَاسِيت أَوِ المُوسِيقَا المُبَاشِرَةِ أَمِ المُحَرَّمُ في ذَلِكَ هُوَ العَزْفُ أَمِ المُحَرَّمُ فِيهِ هُوَ سَمَاعُ الأَلْفَاظِ وَالكَلِمَاتِ الَّتِي تُقَالُ في الأُغْنِيَةِ؟
 الاجابة :
رقم الفتوى : 461
 2007-08-25

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فَحُكْمُ الاسْتِمَاعِ إِلَى الغِنَاءِ وَاحِدٌ، سَوَاءٌ كَانَتِ الأَغَانِي قَدِيمَةً أَوْ كَانَتْ حَدِيثَةً، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ المُغَنِّينَ القُدَمَاءِ أَوِ المُحْدَثِينَ.

فَالغِنَاءُ المَصْحُوبُ بِالمُوسِيقَا يَحْرُمُ الاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ المَشْهُورُ في المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ» رَوَاهُ الإِمَامُ البُخَارِيُّ.

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ، وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه.

وَالاسْتِمَاعُ لِلْغِنَاءِ المَصْحُوبِ بِالآلَاتِ المُوسِيقِيَّةِ سَبَبٌ لِنُزُولِ البَلَاءِ عَلَى الأُمَّةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا فَعَلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا البَلَاءُ» ـ وَعَدَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا ـ  وَاتُّخِذَتِ القَيْنَاتُ وَالمَعَازِفُ» أَمَّا الغِنَاءُ المُجَرَّدُ عَنِ المُوسِيقَا، وَكَانَ مِنَ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ، وَمِنَ النِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ، وَكَانَ بِكَلِمَاتٍ هَادِفَةٍ، وَبِكَلِمَاتٍ نَظِيفَةٍ، وَلَمْ تَكُنْ كَلِمَاتُ الغِنَاءِ فِيهَا فُحْشٌ، أَوْ إِثَارَةٌ لِلشَّهَوَاتِ، فَلَا حَرَجَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تعالى.

وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:

1ـ فَلَا يَجُوزُ الاسْتِمَاعُ لِلْغِنَاءِ إِذَا كَانَ مَصْحُوبًا بِمُوسِيقَا.

2ـ وَالحُكْمُ سَوَاءٌ في سَمَاعِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مُبَاشَرَةً، أَوْ عَنْ طَرِيقِ الكَاسِيت.

3ـ يَجُوزُ سَمَاعُ الغِنَاءِ المُجَرَّدِ عَنِ المُوسِيقَا، إِذَا كَانَتْ كَلِمَاتُهُ مَضْبُوطَةً بِضَوَابِطِ الشَّرِيعَةِ.

4ـ وَنَصِيحَتِي لِمَنْ تَعَلَّقَ بِالاسْتِمَاعِ إِلَى الغِنَاءِ أَنْ يَتَرَفَّعَ إِلَى مُسْتَوَى الرِّجَالِ حَيْثُ لَا يُضَيِّعُ وَقْتَهُ بِدُونِ فَائِدَةٍ، لِأَنَّ العَبْدَ مَسْؤُولٌ يَوْمَ القِيَامَةِ عَنْ أَنْفَاسِ عُمُرِهِ ﴿وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾.

فَلَوِ اشْتَغَلَ بِسَمَاعِ القُرْآنِ الذي يَزِيدُ في إِيمَانِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ، أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا جَلَّ جَلَالُهُ: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ أَيُّهُمَا خَيْرٌ: اسْتِمَاعُ القُرْآنِ؟ أَمِ اسْتِمَاعُ الغِنَاءِ الذي كَانَ يَقُولُ فِيهِ سَيِّدُنَا ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: الغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ في القَلْبِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالبَيْهَقِيُّ.

وَبِوُسْعِ هَذَا الأَخِ أَنْ يَسْمَعَ إِلَى بَعْضِ المُنْشِدِينَ الذينَ يَمْدَحُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في إِنْشَادِهِمْ، وَيُحَرِّضُونَ الأُمَّةَ عَلَى صِفَاتِ الكَمَالِ وَالآدَابِ وَالأَخْلَاقِ، بِأَصْوَاتِهِمُ العَذْبَةِ، يُنْشِدُونَ أَنَاشِيدَ الرِّجَالِ الكُمَّلِ، وَنَشِيدُهُمْ مُجَرَّدٌ عَنِ الآلَاتِ المُوسِيقِيَّةِ.

أَسْأَلُ اللهُ تعالى أَنْ يَجْعَلَ هَمَّنَا في مَرْضَاتِهِ، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِلاسْتِفَادَةِ مِنْ أَنْفَاسِ عُمُرِنَا المَحْصِيَّةِ عَلَيْنَا ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.