طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول الله تبارك وتعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}. لأنَّ أصل عمل المرأة في بيتها، من تربية للأولاد وخدمة للبيت، وتأمين سَكَنٍ للزوج، وقد أوجب الله تعالى النفقةَ للمرأة على أبيها إن كانت بنتاً، وعلى زوجها إن كانت زوجةً، وعلى أبنائها إن كانت أُمَّاً ، فإن لم تجد معيلاً لها فعلى بيت المسلمين نفقتها.
فإن لم يوجد أحد يقوم بالنفقة عليها فلها الخروج للعمل، ولكن بالأدب الذي علَّمنا إياه القرآن العظيم، من خلال بنات سيدنا شعيب عليه السلام، عندما سألهنَّ سيدنا موسى عليه السلام: {مَا خَطْبُكُمَا}؟ كلمة واحدة، الجواب مختصر وكافٍ، {لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير}. يعني لا نختلط بالرجال، وأبونا عاجز عن العمل، ولا معيل لنا.
وبناء على ذلك:
فلا يجوز للمرأة أن تعمل سكرتيرة عند رجلٍ لوجود المخالفات التالية:
أولاً: يعرِّضها هذا العمل للخلوة مع صاحب العمل، والخلوة حرام شرعاً لقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِن الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ قَالَ: الحَمْوُ الْمَوْتُ) رواه الإمام البخاري عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه.
ولقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) رواه الإمام البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.
وروى الطبراني عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسلَّمَ، قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَالخَلْوَةَ بِالنِّسَاءِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا خَلا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إِلا دَخَلَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا، وَلَيَزْحَمُ رَجُلٌ خِنْزِيرًا مُتَلَطِّخًا بِطِينٍ، أَوْ حَمْأَةٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَزْحَمَ مَنْكِبُهِ مَنْكِبَ امْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ).
ثانياً: يعرِّضها للنظر إليها، ولنظرها للرجال، والله تعالى يقول: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}. ويقول تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}. وروى الإمام مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِن الزِّنَى، أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَى العَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ).
والنظرة سهمٌ من سهام إبليس تُفسد على المرأة دينَها، وتُفسد على الرجل دينَه، لأنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِن النِّسَاءِ) رواه الإمام البخاري عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
ثالثاً: قد يعرِّضها للخضوع بالقول، وهذا منهيٌّ عنه بنصِّ القرآن العظيم، قال تعالى: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}. ومن الملاحَظ بشكل عام لين كلام المرأة أثناء عملها مع الرجال، إلا من رحم الله تعالى.
وأخيراً، أُذَكِّر المرأة بقوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ) رواه الإمام أحمد عن أبي قتادة رضي الله عنه.
وقرار المرأة في بيتها خيرٌ لها من اختلاطها بالرجال، حيث إنَّ الكثير منهنَّ فُتِنَّ، أو كُنَّ سبباً للفتنة، إما لصاحب العمل، وإما لبعض المراجعين إلا من رحم الله تعالى.
أما عملها مع النساء فقط، فلا حرج فيه إذا لم تضيِّع حقَّ زوجها وحقَّ أولادها. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |