طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فَحُكْمُ الرُّجُوعِ في الهِبَةِ اخْتَلَفَ الفُقَهَاءُ فِيهِ بَعْدَ قَبْضِ المَوْهُوبِ لَهُ الشَّيْءَ المَوْهُوبَ، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ مِنَ المَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ: لَا يَحِلُّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ في هِبَتِهِ، إِلَّا الوَالِدَ فِيمَا أَعْطَى لِوَلَدِهِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَلْحَقُ سَائِرُ الأُصُولِ بِالأَبِ في جَوَازِ الرُّجُوعِ.
وَعِنْدَ الحَنَفِيَّةِ: يَصِحُّ الرُّجُوعُ لِلْوَاهِبِ في هِبَتِهِ بَعْدَ القَبْضِ إِذَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنْ مَوَانِعِ الرُّجُوعِ، وَلَكِنَّهُ مَعَ الكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. أَيْ: يُعَوَّضُ.
وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إِلَّا بِتَرَاضٍ، أَوْ بِقَضَاءِ القَاضِي.
وَإِذَا اشْتَرَطَ الوَاهِبُ عَلَى المَوْهُوبِ لَهُ أَنْ لَا يَهَبَهُ وَلَا يَبِيعَهُ لِأَحَدٍ، فَيَرَى جُمْهُورُ الفُقَهَاءِ أَنَّ الهِبَةَ صَحِيحَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.
وَإِذَا خَرَجَ المَوْهُوبُ عَنْ مِلْكِ المَوْهُوبِ لَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ كَالبَيْعِ وَالهِبَةِ وَالمَوْتِ، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالحَنَابِلَةِ يُمْنَعُ الرُّجُوعُ في الهِبَةِ، لِأَنَّ الشَّيْءَ المَوْهُوبَ خَرَجَ عَنْ مِلْكِيَّةِ المَوْهُوبِ لَهُ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ:
1ـ فَالشَّرْطُ الَّذِي اشْتَرَطَتْهُ الأُمُّ عَلَى ابْنَتِهَا شَرْطٌ لَاغٍ وَالهِبَةُ صَحِيحَةٌ.
2ـ وَعِنْدَمَا أَعْطَتِ البِنْتُ قِطْعَةَ الذَّهَبِ لِزَوْجِهَا، إِنْ أَعْطَتْهُ إِيَّاهَا هِبَةً صَارَتْ مِلْكًا لَهُ، وَلَا يَحِقُّ لِلزَّوْجَةِ الرُّجُوعُ فِيهَا.
وَإِنْ أَعْطَتْهُ إِيَّاهَا لِبَيْعِهَا وَكَالَةً عَنْهَا، فَهُوَ وَكِيلٌ عَنْهَا في البَيْعِ وَثَمَنُهَا لِلزَّوْجَةِ.
وَلَا يَحِقُّ لِلْأُمِّ أَنْ تُطَالِبَ ابْنَتَهَا بِقِطْعَةِ الذَّهَبِ في هَذِهِ الحَالَةِ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِيَّةِ البِنْتِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |