طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: يقول مولانا عز وجل: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون}. والسؤالُ يجبُ قبلَ الشروعِ بالعملِ، لأنَّ العملَ يجبُ أن يكونَ مَبنيَّاً على أساسٍ من العلمِ الصَّحيحِ، ورَحِمَ اللهَ تعالى من قال: مِن عَلامَاتِ النُّجحِ في النِّهاياتِ الرُّجُوعُ إلى اللهِ في البِدَايَاتِ.
ثانياً: هذا العَقدُ بينكَ وبينَ صاحِبِكَ هو عَقدُ مُضاربةٍ أو مُقارضةٍ، والمضارَبَةُ تعني أنَّ العملَ من جانبٍ والمالَ من جانبٍ آخر، والرِّبحُ بينكما على ما اتَّفَقتُما عليه، وإذا حَصَلَت خَسارَةٌ فتكونُ الخسارَةُ على صاحِبِ رأسِ المالِ دونَ المُضارِبِ، والمضارِبُ يخسَرُ تَعَبَهُ.
ثالثاً: نصَّ الفقهاءُ على أنَّهُ لو شَرَطَ صاحِبُ المالِ على العامِلِ المُضارِبِ ضمانَ رأسِ المالِ إذا تَلفَ أو ضاعَ بلا تَفرِيطٍ منه، كانَ العقدُ فاسداً، ويجبُ فَسخُ العَقدِ قبل الشُّروعِ فيه، فإذا تَمَّ الشُّروعُ في المُضارَبَةِ الفاسِدَةِ فإنَّهُ يترتَّبُ عليها ما يلي:
1ـ إذا حَصَلَ رِبحٌ في عَقدِ المضارَبَةِ فهوَ لِصاحِبِ المالِ كامِلاً، ولا يَستَحِقُّ المضارِبُ منه شيئاً، لأنَّ المضارَبَةَ فاسدةٌ.
2ـ يستحقُّ المضارِبُ ـ العاملُ ـ أجرَ المثلِ، إذا ربحَ المالُ أو خسِرَ.
يقول ابن قدامة رحمه الله تعالى في المغني: (وَالوَضِيعَةَ ـ الخسارة ـ فِي المُضَارَبَةِ عَلَى المَالِ خَاصَّةً، لَيسَ عَلَى العَامِلِ مِنهَا شَيءٌ؛ لأَنَّ الوَضِيعَةَ عِبَارَةٌ عَنْ نُقْصَانِ رَأسِ المَالِ، وَهُوَ مُختَصٌّ بِمِلكِ رَبِّهِ، لا شَيءَ لِلعَامِلِ فِيهِ، فَيَكُونُ نَقصُهُ مِن مَالِهِ دُونَ غَيرِهِ؛ وَإِنَّمَا يَشْتَرِكَانِ فِيمَا يَحصُلُ مِن النَّمَاءِ).
ويقول رحمهُ الله تعالى: (مَتَى شَرَطَ عَلَى المُضَارِبِ ضَمَانَ المَالِ، أَوْ سَهمًا مِنَ الوَضِيعَةِ، فَالشَّرطُ بَاطِلٌ).
وجاء في بدائع الصنائع: (وَأَمَّا حُكمُ المُضَارَبَةِ الفَاسِدَةِ ، فَلَيسَ لِلمُضَارِبِ أَن يَعمَلَ شَيئًا مِمَّا ذَكَرنَا أَنَّ لَهُ أَن يَعمَلَ فِي المُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ، وَلا يَثبُتُ بِهَا شَيءٌ مِمَّا ذَكَرنَا عَن أَحكَامِ المُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ، وَلا يَستَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَلا الرِّبحَ المُسَمَّى، وَإِنَّمَا لَهُ أَجرُ مِثْلِ عَمَلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي المُضَارَبَةِ رِبحٌ أَو لَم يَكُن; لأَنَّ المُضَارَبَةَ الفَاسِدَةَ فِي مَعنَى الإِجَارَةِ الفَاسِدَةِ، وَالأَجِيرُ لا يَستَحِقُّ النَّفَقَةَ وَلا المُسَمَّى فِي الإِجَارَةِ الفَاسِدَةِ، وَإِنَّمَا يَستَحِقُّ أَجرَ المِثْلِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ يَكُونُ لِرَبِّ المَالِ).
وبناء على ذلك:
فإنَّ عَقدَ المضارَبَةِ هذا فاسدٌ، ولا يجوزُ لِصاحِبِ المالِ أن يُحمِّلَكَ شيئاً من الخسارَةِ، فالخسارَةُ كُلُّها يَتَحَمَّلُها هوَ إذا لم تَكُن مُقَصِّراً أو مُتَعَدِّياً أو مُتَسَبِّباً في الخسارَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |