طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد روى الإمام أحمد وأبو داوود عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلاً».
ويقولُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: ليسَ لكَ من صَلاتِكَ إلا ما عَقَلتَ.
ويقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الصَّلاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ فَلْيَسْتَكْثِرَ» رواه الطبراني في الكبير عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
لذلك يَجِبُ على المؤمنِ أن يُقيمَ الصَّلاةَ إقامَةً، لا أن يُؤَدِّيها أداءً، ومن الأسبابِ التي تُعينُ المصلِّي على الخُشوعِ فيها:
أولاً: أن يستَشعِرَ المصلِّي الوُقوفَ بينَ يَدَيِ الله تعالى، وأن يَستَحضِرَ عَظَمَتَهُ وجلالَهُ وكِبرِياءَهُ، لأنَّ الصَّلاةَ لله تعالى، قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾.
ثانياً: أن يعلَمَ المصلِّي أنَّهُ مُناجٍ لله تعالى، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قال: «قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي ـ وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي ـ فَإِذَا قَالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ».
ثالثاً: أن يكفَّ جَوارِحَهُ الظَّاهِرَةَ والباطِنَةَ عن مَعصِيَةِ الله تعالى، وخاصَّةً الكبائِرَ، فإذا ما وَقَعَ فيها فليُبادِر إلى التَّوبَةِ والاستِغفارِ، روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى يَعْلَقَ بها قَلْبُهُ فذَلكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾». وكيفَ يَخشَعُ قلبٌ في الصَّلاةِ وهوَ قلبٌ أثيمٌ ـ والعِياذُ بالله تعالى ـ؟
رابعاً: وما دامَ القلبُ قاسِياً فلن يَشعُرَ صاحِبُهُ بِخُشوعٍ في الصَّلاةِ، وإذا أرادَ أن يُلَيِّنَ قلبَهُ فعليهِ بإطعامِ المسكينِ، ومَسحِ رأسِ اليتيمِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَجُلاً شَكَا إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ لَهُ: «إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ، فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ».
خامساً: الإكثارُ من ذِكرِ الله تعالى، وتِلاوَةُ القرآنِ العظيمِ، وكَثرَةُ الصَّلاةِ والسَّلامِ على سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لأنَّ هذهِ الأذكارَ تُنَوِّرُ القلبَ، وتَجلِبُ الخُشوعَ في الصَّلاةِ.
سادساً: الإكثارُ من مُجالَسَةِ الصَّالِحينَ، لأنَّ مُجالَسَتَهُم تَنهَضُ بالهِمَمِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: يَا رَسُولَ الله، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيراً.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ـ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ـ». اللَّهُمَّ وفِّقنا لذلكَ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |