طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
أولاً: روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُوا بِالْقِرَاءَةِ، وَهُوَ فِي قُبَّةٍ لَه.
فَكَشَفَ السُّتُورَ، وَقَالَ: «أَلَا كُلُّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَلَا يَرْفَعَنَّ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ، ـ أَوْ قَالَ: فِي الصَّلَاةِ».
وروى البيهقي عن أبي حَازِمٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «إنَّ المُصَلِّي إذا صَلَّى فَإِنَّما يُنَاجِي رَبَّهُ، ولا يَجهَرَنَّ بَعضُكُم على بَعضٍ بالقُرآنِ».
ونَصَّ الفُقَهاءُ على أنَّ كُلَّ ما فيهِ أذِيَّةٌ للمُصَلِّينَ لا يَجوزُ للإنسانِ أن يَفعَلَهُ.
ثانياً: روى الإمام أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللهُ عنهُم قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ».
وحَضَّ الفُقَهاءُ أولِياءَ الأبناءِ على أن يُدَرِّبوا أبناءَهُم على الصَّلاةِ في البَيتِ، حتَّى إذا بَلَغوا سِنَّ التَّمييزِ فَلْيَصْطَحِبُوهُم إلى المَسجِدِ.
ثالثاً: روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبيرِ عن أَسْمَرَ بن مُضَرِّسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ».
ونَصَّ الفُقَهاءُ على أنَّ الصَّبِيَّ المُمَيِّزَ الذي شُرِعَ لهُ المَجيئُ إلى المَسجِدِ لا يُؤَخَّرُ عن المَكانِ الذي سَبَقَ إلَيهِ، لأنَّهُ من حَقِّهِ، وتَأخيرُهُ يُنَفِّرُهُ عن الحُضورِ لِصَلاةِ الجَمَاعَةِ، وقد يَحمِلُ في قَلبِهِ حِقْداً وكَرَاهِيَةً على من أخَّرَهُ، ورُبَّما أن يَكونَ في تَأخيرِهِ سَبَباً لِتَجَمُّعِ الأولادِ مَعَ بَعضِهِمُ البَعضِ فَيَحصُلَ مِنهُمُ التَّشويشُ على المُصَلِّينَ.
رابعاً: روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ».
ولَيسَ في هذا الحَديثِ الشَّريفِ تَحريضٌ على إبعادِ الأولادِ عن الصَّفِّ الأوَّلِ، بل هوَ تَرغيبٌ وتَحريضٌ لأولي الأحلامِ والنُّهى على التَّبكيرِ للحُضورِ إلى الصَّلاةِ حتَّى يَكونوا خَلفَ الإمامِ، ولو كانَ القَصْدُ من الحَديثِ الشَّريفِ إبعَادَ الأولادِ عن الصَّفِّ الأوَّلِ لَقَالَ: لا يَلِنِي إلا أولو الأحلامِ والنُّهى.
وبناء على ذلك:
فلا يَجوزُ إحضارُ الأطفالِ الذين لم يَصِلوا إلى سِنِّ الرُّشدِ والتَّمييزِ إلى المَسجِدِ، وخاصَّةً إذا لم يُمَيِّزوا بَينَ الطَّهَارَةِ والنَّجَاسَةِ، أو كانوا يُشَوِّشونَ على المُصَلِّينَ، وإذا أحضَرَ المُسلِمُ وَلَدَهُ المُمَيِّزَ إلى المَسجِدِ فَلْيَكُن بِجَانِبِهِ وتَحتَ مُرَاقَبَتِهِ حتَّى لا يُؤذي المُصَلِّينَ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |