طباعة |
4ـ نحو أسرة مسلمة: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم | ||||
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: أيها الإخوة: فقد ذكرنا في اللقاء الأول في الأسبوع الماضي تقدمة نحو أسرة مسلمة، المجتمعُ بحاجة إليها، وعرفنا في الدرس الماضي بأن هذا التشريع الذي جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله عز وجل هو أكمل وأعظم تشريع، لأنه بإتمام وإكمال الله، وكل شيء يكون كاملاً أو ناقصاً من خلال الارتباط بالمشرع، تشريع الخلق في الغالب الأعم ناقص، لأنه من تشريع مخلوق، والمخلوق في كل يوم يزداد علماً، لأن الإنسان يولد جاهلاً بداية، {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً}، ثم يقول: {وعلمك ما لم تكن تعلم}، ثم طلب منك أن تطلب منه: {وقل رب زدني علماً}. إذاً أنت في علمك ناقص، فتشريع الإنسان يستدرك عليه دائماً وأبداً، وانظروا في التشريعات الوضعية، بين الحين والآخر يكون هناك تعديل للتشريعات كلها، أما عندما يشرع لنا الله عز وجل فتشريعه كامل. تشريع الإنسان للإنسان إنما هو تشريع لظاهر الإنسان، لأن باطن الإنسان لا يعرفه إلا الله، وكل صنعة صانعها أدرى بها، فلذلك - ولله المثل الأعلى - عندما يصنع الإنسان صنعة ما، مع الصنعة التي يصنعها يصدر كتيباً صغيراً يسمى الدليل، من أجل تعليم المستخدم للصنعة كيف يستخدمها، لأن الصانع هو الخبير بدقائق صنعته، بظاهرها وباطنها، ونحن صنعة من؟ صنعة الله عز وجل، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم}. والله عز وجل يعلم ظاهرك وباطنك، فالعليم بالظاهر والباطن هو الذي شرع لك، والذي شرع لك علمه مطلق لا يزيد ولا ينقص، لأنه لو زاد فمعنى ذلك أنه كان ناقصاً، وإن كان ناقصاً فهو قابل للازدياد، ولذلك لا يصلح أن يكون هذا إلهاً، فالإله هو صاحب العلم المطلق، علمه لا يزيد ولا ينقص، ولا يمكن لأحد من المخلوقات أن يستدرك على شرع الله عز وجل. لذلك نحن أمة أكرمنا الله عز وجل بتشريع يضاهي جميع تشريعات الأرض، ونتحدى بهذا التشريع عالم الإنس وعالم الجن، ونتحدى بهذا التشريع جميع العوالم الحاضرة والمستقبلة، وأهل الأرض جميعاً، طبعاً ليس بقوتنا، إنما بمشرعنا وهو الله عز وجل. لذلك أجمل مولانا عز وجل هذه القضية بقوله: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}، لذلك نحن نقول بملء أفواهنا:
لأن تشريعنا هو الكامل، ونحن سادة الأمم إذا التزمنا التشريع، ولذلك ربنا عز وجل قال: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}، فبهذا التشريع سمونا، فإذا تخلينا عن هذا التشريع رجعنا إلى ما كنا عليه قبل بعثة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فحال الأمة قبل بعثة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام تكاد أن تكون قريبة من حالنا اليوم، لأن الالتزام اليوم بدين الله عز وجل يكاد يكون نادراً، والغالب الأعم عنده تفلت من دين الله عز وجل، إلا من رحم ربي، وظننا أن هذه الخيرية أصيلة فينا، ولكن في الحقيقة هذه الخيرية ما جاءتنا إلا بالالتزام، عندما التزم رسول الله صلى الله عليه وسلم والتزم من كان معه، صاروا سادة الدنيا، {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون}، فعندما التزموا الإسلام التزاماً عملياً تحقق قول النبي عليه الصلاة والسلام: (دانت لكم العرب، ودفعت لكم الجزية الأعاجم) [رواه ابن إسحاق]. الآن أيها الإخوة من خلال هذا التشريع الذي أكرمنا الله عز وجل به، نأخذ زاوية واحدة من زوايا هذا التشريع، ألا وهو النكاح، لأن السمة في هذا التشريع أنه غطى حياتك كلها، ما ترك لك شاردة ولا واردة إلا تدخل الإسلام فيها، وطبعاً لمصلحتك، لأن خير هذا التشريع عائد إليك، كما جاء في الحديث الصحيح: (يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً... يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) [رواه مسلم]. فتشريع الله لنا خيره عائد إلينا، ولذلك ربنا عز وجل يقول: {فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى}. أما تشريع البشر فخيره عائد إلى حضرة المشرع وجماعته وأصحابه، وإن كان بعض الخير يرجع إلى الناس، ولكن الغالب الأعم في التشريعات الوضعية أن خيرها راجع للفرد أو للجماعة الذين شرعوا. لنأخذ أيها الإخوة زاوية واحدة من زوايا التشريع التي غطتنا كلنا من فرقنا إلى قدمنا، ومن ظاهرنا إلى باطننا، فالإسلام شرع لك، ولسمعك، ولبصرك، ولشمك، وللسانك، وليدك، ولرجلك، ولقلبك، ولفرجك، وحتى يقول بعض الغربيين: عجباً لشأن محمد ما ترك شيئاً لأمته إلا علمه إياه، حتى علمهم آداب قضاء الحاجة. بداية نقرأ قول الله عز وجل: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} {وأنكحوا} فعل أمر، {الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} أي الأرقاء، لأن الرقيق لا ينظر إليه الإسلام نظرة استعلاء، {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، فقد يكون العبد الرقيق عند الله أعز وأغلى وأكرم من السيد، بل الأكثر من هذا أن يكون المسخر أكرم عند الله عز وجل من المسخر له، فعن معاذ بن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مر على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اركبوها سالمة، ودعوها سالمة، ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق، فرب مركوبة خير من راكبها، وأكثر ذكراً لله تعالى منه) [رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح]. فعندما يقول مولانا عز وجل: {وأنكحوا الأيامى منكم}، الأيامى جمعٌ، مفرده أيِّم، والأيِّم من لا زوج له من الرجال والنساء، فالإسلام يقول: {وأنكحوا الأيامى منكم}، زوجوا الرجال، زوجوا النساء، الثيب والبكر، ماتت زوجته زوِّجه، طلق زوجتَه زوِّجه، لا زوج له زوِّجه، لماذا يا رب؟ لا تقل لماذا مع تشريع الله، لأن تشريع الله لمصلحة الفرد، وما كان لمصلحة الفرد هو لمصلحة الجماعة، وما كان لمصلحة الجماعة هو لمصلحة الأمة كلها المؤمنة والكافرة، لأن خير هذا التشريع ممتد وليس مقصوراً على المؤمنين فقط، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه مولانا عز وجل: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، فهذا التشريع رحمة حتى بالكافر. ولذلك عندما يقول مولانا عز وجل: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}. يقول سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه: أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى [أورده ابن أبي حاتم وابن كثير في التفسير]. وإذا أراد الله أن يغني العبد من يستطيع أن يفقره؟ وإذا أراد الله أن يفقر العبد من الذي سيغنيه؟ ربنا عز وجل قال: {وأنكحوا الأيامى}، هذا الخطاب للجميع، ابتداء من القمة (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) [رواه البخاري ومسلم]، من الحاكم الأعلى إلى أدنى فرد في الرعية، لأن من يصبح حاكماً سيكون مسؤولاً عن الرعية كلها، لذلك فالأحمق هو الذي ينافس على الإمارة الظاهرة، لماذا تورط نفسك يا أخي؟ عندك زوجة وولدان أو ثلاثة لا تعرف كيف تدير أمورهم، فكيف تكون مسؤولاً عن أمة؟ أنت مسؤول عن الأمة مسؤوليات عدة، فإذا كانت عندك المقدرة كما كانت عند سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام، حيث قال لملك مصر: {اجعلني على خزائن الأرض}، يعني وزير المالية والتموين، فإذا كانت شخصيتك قوية، وتعرف المسؤولية مغرماً وليست مغنماً ولا يوجد غيرك فأقدم عليها، أما إذا كانت ستصير لك مغنماً تحلبها حلباً في الدنيا، ولم تُسأل عن ذلك يوم القيامة، فلا مشكلة، لا تنس قوله تعالى: {أحصاه الله ونسوه}. فقول الله عز وجل: {وأنكحوا الأيامى منكم}، خطاب لأعلى القمة الإسلامية، الحاكم، ثم للأب، ولولي الأمر في الأسرة، لماذا لا تزوج الولد؟ طبعاً لا علاقة لنا مع المسؤولين، لأن المسؤولين لا يزوجون أحداً، ولكن أنت الآن لماذا لا تزوج ابنك وابنتك؟ قال: لا أزوج الولد حتى ينتهي من الدراسة، وحتى ينتهي من الخدمة الإلزامية، وحتى يصير عنده مكتب، وحتى يجمع شيئاً من المال، ويشتري البيت، ويفرش البيت، وكأن لسان حالنا يقول: يا أبنائي لا تتزوجوا حتى تكون بدايتكم كنهايتي، أي أنت الآن عمرك فوق الأربعين، وابنك عمره في العشرين، ينبغي أن تكون بدايته كنهايتك، أنت وصلت الخمسين وصار عندك بيت وسيارة ومكتب ورأس مال وفرش للبيت، فتريده الآن أن يكون مثلك، فهل من المعقول هو في أول الطريق تكون بدايته كنهاية الرجل الذي دخل المرحلة الأخيرة من عمره؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك) [رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب]. أقول لك: ارجع إلى الوراء قليلاً عندما تزوجت، كيف كانت بدايتك؟ وأين تزوجت؟ جلُّ هؤلاء الآباء تزوجوا في بيوت آبائهم، وفي غرفة واحدة، وبعد ذلك أكرمهم الله عز وجل، في حين أنهم الآن لا يزوجون أبناءهم حتى يمروا بجميع المراحل: الدراسة، الخدمة الإلزامية، تكوين النفس، أقول: هل أنت ضامن لحياة ولدك حتى يصل إلى تلك المرحلة ويتزوج؟ وهل أنت ضامن لولدك ألا تنحرف قدمه خلال هذه الفترة؟ وهل أنت ضامن لولدك ألا يفتن في النساء خلال هذه الفترة؟ الجواب: لا، إذاً أنت تبحث عن سلامة الدنيا ولو كان على حساب الدين، والماء يجري من تحت أقدام الآباء والأمهات وهم لا يشعرون. في هذا اليوم جاءني شاب وقال: أريد أن أجعلك واسطة بيني وبين أبي، ليزوجني فلانة، وأن تلح عليه بذلك، فقلت: من دون مقدمات ما الأمر؟ قال: أنا شاب جامعي، وتعرفت على صديقة لي، فأحببتها وأحبتني، - حُبّ الشوارع -، وأجريت العقد عليها، وتم الدخول. قلت: وإذا لم يرض أبوك؟ قال: جريمة، والمشكلة أن هذه الفتاة الآن تخطب من أهلها، والبنت لا تستطيع أن تتكلم، وهذا الشاب لا يستطيع الكلام. لم هذا؟ حتى ينتهي من الدراسة، ومن الخدمة الإلزامية، وما يجري في المجتمع تتعامى عنه، هذه طامة كبرى، أنا عندما أنظر لمصلحة ولدي من أجل دينه، فأنا مسؤول عن زواجه إذا دخل سن الرجال، ألم يقل مولانا جل جلاله: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} فإنه لم يحدد لذلك عمراً، فبمجرد أن يدخل سن الرجال عليك أن تزوجه، قال: ولدي لا يفهم لا يزال صغيراً، إذاً فأين تقضي عمرك؟ وعلى ماذا تربي هذا الولد؟ وبالتالي أصبحنا خلف الأمم، سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنه كان أميراً على جيش فيه سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر، وكان عمر سيدنا أسامة سبع عشرة سنة، وعندنا الشاب الذي عمره سبع عشرة سنة لا يزال ولداً جاهلاً لا يفهم شيئاً، ونريد أن نكون خير الأمم؟ إذاً لنكن في ذيل الأمم، ولنقل بصراحة لنبق في آخر شعرة في الذنب، لأننا تبعُ أهواءٍ وشهوات، ولا حول ولا قوة إلا بالله. زوج ولدك، ربنا عز وجل يقول: {وأنكحوا الأيامى منكم}، ماذا أنت قائل لربك عز وجل؟ يا رب ما زوجته من أجل دراسته، وحتى يتم خدمته الإلزامية، يقول لك: أنا قلت لك: {وأنكحوا}، يا رب فقير؟ أنا قلت لك: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله}، أليست عندك ثقة بمولاك؟ أنت الآن تقول: أنا لا أزوجه حتى يتمم دراسته، ومن أجل بنت الناس؟ وإذا أتم الدراسة والخدمة الإلزامية، وزوجته، وجاءته فرصة عمل يريد أن يغادر البلد إلى بلد آخر، وإذا بك تقول لك: سافر، لماذا؟ وأين تترك بنت الناس؟ تقول: دعه يكوِّن رأس مال! سبحان الله، {ويل للمطففين}، إذا كان لنا مصلحة ألا نزوج نضع ألف مبرر، وإذا كانت لنا مصلحة في العرض الدنيوي نزوِّج، وبعد ذلك يسافر ويا بنت الحلال كلها سنتان وثلاثة ويأتي برأس مال كبير، ويوافق أبوه وأمه وعمه وحماته من أجل المال، أما أن يزوجه ويتابع الدراسة، أو الخدمة الإلزامية، فلا. انظر إلى هذا الشاب الذي يحترق قلبه الآن، يقول لي: الله يخليك هل تتدخل في حل هذا الموضوع؟ قلت: نعم، قال: لي طلب عندك، قلت: تفضل، قال: أن تُحَلِّف والدي يميناً أن لا يقيم لي مشكلة، لأن والدي سريع الغضب، وإذا سمع بأني متزوج ربما أدى الأمر إلى ذبحي، لماذا؟ أين الصلة بين الآباء والأمهات والأبناء. ربنا عز وجل يقول: {وأنكحوا الأيامى}، البنت تزوجت بدون علم أهلها، والولد تزوج بدون علم أهله، ومن الذي أجرى العقد؟ سعادة الشيخ، على أي أساس أجرى له العقد؟ والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا نكاح إلا بوَليّ وشاهدي عدل) [رواه الحاكم وابن حبان]، ويأتي هذا الشيخ حفظه الله ويقول: على المذهب الحنفي يجوز للمرأة البالغة أن تزوج نفسها. طيب قل له: يا مولانا، هل عندك بنت؟ يقول: نعم، قل: الله يهيئ لك ابن حلال يتفق مع ابنتك ويجري العقد بدون علمك، أترضى هذا؟ قال: أعوذ بالله، إذاًكيف ترضى هذا لبنات الناس. قلت لهذا الرجل الذي جاءني اليوم: كيف تفعل هذا؟ وكيف تتزوج بهذا الشكل؟ قال: أحبتني وأحببتها، قلت: ما رأيك لو أن شاباً تعرف على أختك وأجرى العقد، فماذا تفعل؟ قال: لا أرضى، وربما أرتكب جريمة قتل، قلت: لم؟ لا يكن عندك مكيالان، تذكر قول الله تعالى: {ويل للمطففين * الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}. أيها الإخوة: ربنا عز وجل يقول: {وأنكحوا الأيامى}، زوِّجْ من لا زوج له من النساء والرجال، لماذا؟ لأن هذا التشريع إنما هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، الإسلام جاء منسجماً مع فطرة هذا الإنسان، ربنا عز وجل يقول: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}. لذلك اسمع ماذا يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان موسراً لأن ينكح فلم ينكح فليس مني) [رواه البيهقي وابن أبي شيبة والدارمي]، فإذا كانت عندك مقدرة أن تزوج نفسك فلم تفعل فلست من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الإسلام يتجاوب مع فطرة الإنسان، والإسلام لا يريد من الإنسان أن يعيش متناقضاً مع نفسه، الإسلام يريد أن يجعل ابنك وابنتك في حالة سكن داخلي، ولا تقل لي: أنا أعطي ولدي كل شهر عشرة آلاف ليرة مصروف، ولا تقل أنا أعطيه مفتاح السيارة، وطعامه كله جاهز، ولا الخادمة موجودة عندنا في البيت، ولكن سل ولدك هذا الذي يتقلب في النعمة الظاهرة: هل عنده سكن داخلي؟ على العكس، هو في حالة اضطراب وقلق، لأن في داخله ميلاً إلى النساء فطره الله عز وجل عليه، كما فطر النساء أيضاً على الميل إلى الرجال، لحكمة يريدها سبحانه، وهذا الميل بدون تنظيم يؤدي إلى الفساد في المجتمع، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان موسراً لأن ينكح فلم ينكح فليس مني). تزوَّجْ من أجل أن تتجاوب مع فطرتك الداخلية، ومن يخطر في باله أن يغير هذه الفطرة فليعلم أنه لا يستطيع تغييرها لقول الله عز وجل: {لا تبديل لخلق الله}، ولذلك عندما نرى رجلاً عنيناً - ليس عنده شهوة - نعده ناقصاً والناقص في نفسه غصة، لذلك فالكمال أن يكون عندك الميل، ومن هنا نفهم قول الله عز وجل في حق سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه}. فالله عز وجل أثبت لها الهم، بقوله تعالى: {ولقد همت به} ونفى الهم عن سيدنا يوسف عليه السلام بقوله: {وهم بها لولا أن رأى برهان ربه}، فلولا حرف امتناع لوجود، ومثال ذلك: أقول لك: هذا الكأس من الماء لولا وجود الناس لأسقيتك إياه، والناس موجودون، فهل يعني ذلك أني أسقيتك الماء؟ فسيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام أثبت الله عز وجل له عدم الهم بها لأنه رأى برهان ربه. فإن قال قائل: لِمَ لَمْ يقل: ولقد همت به ولم يهم بها، وتنتهي المسألة؟ فالجواب: هناك أناس متفلسفون من البشر يقولون: الله يقول: ولقد همت به ولم يهم بها لأنه قد يكون عنيناً ليست عنده قوة الرجال، ولذلك قال ربنا: {وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} يعني فيه قوة الرجال، ولكن الذي منعه من ذلك هو رؤية برهان ربه، ولا تفكر بالبرهان ما هو؟ ولكن فكِّر بأنه ما همَّ بها، لأنك عندما تسمع قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ... ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله) [رواه البخاري ومسلم] تعرف البرهان. فلذلك النقص في الإنسان أن يكون عنيناً، والكمال في الرجل أن تكون فيه الشهوة، وكذلك في المرأة، فهذه تميل إلى هذا، وهذا يميل إلى هذه، والإسلام جعل لهذا الميل نظاماً ألا وهو النكاح، ولو جئت لتقول: أنا لا أريد الزواج، فإذاً أنت تحارب داخلك، وإن حاربت داخلك كان في داخلك صراع، وعند ذلك لا تجد السكن، إذاً فأنت مشوش، لماذا؟ لأنك تريد النكاح، ولكن هناك عقبات، الدراسة، الخدمة الإلزامية، المال، الأب..... وهذه العقبات إذا لم يتعاون المجتمع على إزالتها فالمسؤول عن نتائج ذلك المجتمع كله، والويل لهذا المجتمع من تلك النتائج، النساء متبرجات سافرات، وحتى ركضنا خلف النساء المتحجبات اللواتي يسترن وجوههن لنقول لهن: الوجه ليس بعورة، يا أخي اترك هذه المرأة، لعل بعض الشباب يغض من بصره، حتى المرأة المتحجبة نقول لها اكشفي عن وجهك؟! ألا يكفي النساء السافرات؟ النساء سافرات، وأسباب الزواج معسرة، والأب لا يزوج، والبنت لا نزوجها حتى تتخرج وتصبح طبيبة أو مهندسة ... إلى آخره، ما هذا المجتمع؟ الرجل في حال اضطراب، والبنت في حال اضطراب، والنتيجة لا سكن في المجتمع، وإذا لم يوجد السكن فهناك فشل في الحياة الاجتماعية، لذلك طلابنا وتجارنا ... في فشل، لأننا في حالة اضطراب، وهذا الاضطراب لأننا نحارب أنفسنا في ذاتنا، نحارب فطرتنا التي فطرنا الله عليها. يروي الإمام البخاري عن سيدنا أنس رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني). لذلك عليك بالاتباع لا الابتداع، فهذا الذي أراد أن يصلي الليل أبداً أو يصوم الدهر أبداً، لن يستطيع ذلك، لأن الله عز وجل خلقنا من ضعف، وجعل من بعد ضعف قوة، وجعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة، فلا تنظر إلى نفسك من خلال مرحلة واحدة، ولكن انظر إلى نفسك في المراحل كلها، فالله عز وجل يقول: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة}. فمن هذا الرجل الذي يريد أن يقوم فلا ينام، ويصلي فلا يفطر، ويعتزل النساء؟ لذلك لما أُخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، دعاهم فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني). فائدة: النبي عليه الصلاة والسلام علمنا ألا نصدر الأحكام المباشرة بناء على السماع دون التأكد، ولو كان الناقل صادقاً. رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدك أن تكون في راحة داخلية، ولا يريدك أن تكون مضطرباً، (إن لجسدك عليك حقاً... فأعط كل ذي حق حقه) [رواه البخاري ومسلم]. فالإسلام ينظر إلى الزواج على أنه فطرة إنسانية، ولا يمكن للإنسان أن يبدل خلق الله عز وجل. فما هي نظرة الإسلام لهذا الزواج؟ نأتي على ذلك إن أحيانا الله عز وجل في الدرس القادم، والحمد لله رب العالمين. ** ** ** |
||||
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |