طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَوْلُ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوَّاً كَبِيرَاً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادَاً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدَاً مَفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرَاً * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرَاً * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرَاً﴾.
فَفَسَادُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيهٍِ كَلامٌ طَوِيلٌ وخِلافٌ كَبِيرٌ بَينَ العُلَمَاءِ في ذلكَ، وأَقرَبُ الأَقوَالِ: أَنَّهُم أَفسَدُوا أولاً بِقَتْلِ سَيِّدِنَا زَكَرِيَّا عَلَيهِ السَّلامُ، فَأَرسَلَ اللهُ إِلَيهِم غُزَاةً من فَارِسَ فَعَذَّبُوهُم وأَسَرُوا مِنهُم كَثِيرَاً، ولمَّا تَابُوا خَلَّصَهُمُ اللهُ من الأَسْرِ، وأَمَدَّهُم بِالنَّعِيمٍ والقُوَّةِ، مُحَذِّرَاً لَهُم من العَودَةِ إلى الإِفْسَادِ.
فَأَفسَدُوا مَرَّةً ثَانِيَةً بِقَتْلِ نَبِيِّ اللهِ يَحيَى بنِ زَكَرِيَّا عَلَيهِمَا السَّلامُ، فَسَلَّطَ اللهُ عَلَيهِم من انْتَقَمَ مِنهُم.
وبناء على ذلك:
فالإِفْسَادُ مِنهُم حَصَلَ قَبلَ ظُهُورِ الإِسْلامِ، في المُدَّةِ الأُولَى قَبلَ رِسَالَةِ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيهِ السَّلامُ، والثَّانِيَةُ بَعدَ بِعْثَةِ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيهِ السَّلامُ.
وقَوْلُهُ تعالى: ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَينِ﴾. لا يَقتَضِي الحَصْرَ، فالإِفْسَادُ سَيَحْصُلُ مِنهُم بَعدَ المَرَّتَينِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾.
وهذا يُفِيدُ بِأَنَّهُ إذا أَفْسَدُوا فَسَيُسَلِّطُ اللهُ عَلَيهِم مَن يَنْتَقِمُ مِنهُ من عِبَادِ اللهِ تعالى أُولِي البَأْسِ الشَّدِيدِ، وأَسأَلُ اللهَ تعالى أن يُعَجِّلَ بالانْتِقَامِ مِنهُم عَاجِلاً غَيرَ آجِلٍ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |