طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَد روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّهَا قَالَتْ: لَـمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُرُّوا بِجِنَازَتِهِ فِي الـمَسْجِدِ، فَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا.
فَوُقِفَ بِهِ عَلَى حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ، أُخْرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِي كَانَ إِلَى الْـمَقَاعِدِ.
فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: مَا كَانَت الْجَنَائِزُ يُدْخَلُ بِهَا الـمَسْجِدَ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إِلَى أَنْ يَعِيبُوا مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ، عَابُوا عَلَيْنَا أَنْ يُمَرَّ بِجَنَازَةٍ فِي الْـمَسْجِدِ، وَمَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ إِلَّا فِي جَوْفِ الْـمَسْجِدِ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَيْضَاً عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها، أَنَّهَا قَالَتْ: واللهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الـمَسْجِدِ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ.
وَذَكَرَ الفُقَهَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنهُم بِأَنَّ الصَّلاةَ على الجِنَازَةِ جَائِزَةٌ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ، في أَيِّ مَكَانٍ من الأَرْضِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، وَالْأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَلَكِنَّ الخِلافَ بَيْنَ الفُقَهَاءِ هُوَ في المَكَانِ الأَفْضَلِ:
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تُنْدَبُ الصَّلاةُ على المَيْتِ في المَسْجِدِ إِذَا أُمِنَ تَلْوِيثُهُ، أَمَّا إِذَا خِيفَ تَلْوِيثُ المَسْجِدِ فلا يَجُوزُ إِدْخَالُهُ.
وَقَالَ الحَنَابِلَةُ: تُبَاحُ الصَّلاةُ على الجِنَازَةِ في المَسْجِدِ، مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثِهِ، فَإِنْ لَمْ يُؤْمَنْ لَمْ يَجُزْ.
وَقَالَ الحَنَفِيَّةُ: تُكْرَهُ صَلاةُ الجِنَازَةِ في المَسْجِدِ الذي تَقُومُ فِيهِ الجَمَاعَةُ، وَلَكِنْ إِذَا جَرَتِ العَادَةُ بالصَّلاةِ عَلَيْهَا في المَسْجِدِ لِتَعَذُّرِ غَيْرِهِ أَو لِتَعَسُّرِهِ، فَهُوَ خِلافُ الأَوْلَى، وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الـمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ» رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
وبناء على ذلك:
فَلا حَرَجَ من الصَّلاةِ على الجِنَازَةِ في المَسْجِدِ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهَاءِ؛ وَقَالُوا: أَمَّا الحَدِيثُ: «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الـمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ» فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ.
وَلِأَنَّهُ وَرَدَ في سُنَنِ أَبِي داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الـمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ». يَعْنِي: من الإِثْمِ.
خِلافَاً للسَّادَةِ الحَنَفِيَّةِ الذينَ قَالُوا بِكَرَاهِيَةِ الصَّلاةِ على الجِنَازَةِ في المَسْجِدِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2024 https://www.naasan.net/print.ph/ |