طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَد روى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، أَنَّ رَهْطَاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ انْطَلَقُوا فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، فَنَزَلُوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ.
قَالَ: فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ، فَشَفَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا بِكُمْ، لَعَلَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ يَنْفَعُ صَاحِبَكُمْ؟
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، فَشَفَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَلَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ يَشْفِي صَاحِبَنَا؟ (يَعْنِي رُقْيَةً).
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَأَبَيْتُمْ أَنْ تُضَيِّفُونَا، مَا أَنَا بِرَاقٍ، حَتَّى تَجْعَلُوا لِي جُعْلَاً؛ فَجَعَلُوا لَهُ قَطِيعَاً مِنَ الشَّاءِ.
فَأَتَاهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيَتْفِلُ، حَتَّى بَرِئَ، كَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ؛ فَأَوْفَاهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُ عَلَيْهِ.
فَقَالُوا: اقْتَسِمُوا.
فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لَا تَفْعَلُوا، حَتَّى نَأْتِيَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَنَسْتَأْمِرَهُ.
فَغَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ أَحْسَنْتُمْ، وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ».
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الفُقَهَاءِ في جَوَازِ رُقْيَةِ المُسْلِمِ للكَافِرِ.
وبناء على ذلك:
فَلَا حَرَجَ مِنْ رُقْيَةِ المُسْلِمِ للكَافِرِ، لِأَنَّ الحَدِيثَ الشَّرِيفَ أَفَادَ بِجَوَازِ ذَلِكَ، حَيْثُ كَانَ القَوْمُ الذينَ نَزَلَ عَلَيْهِمُ الصَّحَابَةُ وَاسْتَضَافُوهُم فَأَبَوْا، كَانُوا كُفَّارَاً، وَهَذَا مِنْ خُلُقِ المُؤْمِنِ في تَعَامُلِهِ مَعَ النَّاسِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |