طباعة |
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَقَدْ جَاءَ في العِنَايَةِ شَرْحِ الهِدَايَةِ: حَتَّى لَوْ نَزَلَ لَهَا اللَّبَنُ بِدُونِهِمَا كَمَا يَنْزِلُ لِلْبِكْرِ كَانَ ذَلِكَ لَبَنَ الْـمَرْأَةِ خَاصَّةً لَا لَبَنَ الْفَحْلِ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْـمَرْأَةُ تَحْتَ زَوْجِهَا.
وَذَكَرَ فُقَهَاءُ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ ثَارَ لِلْمَرْأَةِ لَبَنٌ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الزَّوْجُ أَوْ بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَلَمْ تَحْبَلْ: ثُبُوتُ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ فِي حَقِّهَا دُونَ الزَّوْجِ.
وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ، وَقَالَ فِيمَا بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَقَبْلَ الْحَمْلِ: الْـمَذْهَبُ ثُبُوتُهَا فِي حَقِّهَا دُونَهُ. اهـ.
وَجَاءَ في كِتَابِ الفِقْهِ على المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ: قَالَ الحَنَفِيَّةُ: لَبَنُ الرَّجُلِ الذي يُثْبِتُ بِهِ أُبُوَّتَهُ للرَّضِيعِ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَنْزِلَ لِزَوْجَتِهِ بَعْدَ حَمْلِهَا وَوِلَادَتِهَا مِنْهُ، فَإِذَا تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَمْ تَلِدْ مِنْهُ قَطُّ، ثمَّ نَزَلَ لَهَا لَبَنٌ فَأَرْضَعَتْ صَبِيَّاً كَانَ الصَّبِيُّ ابْنَاً للمَرْأَةِ بِخُصُوصِهَا، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُصُولَهَا وَفُرُوعَهَا وَمَحَارِمَهَا، وَلَا فَرْقَ في ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ قَدْ نَزَلَ لَهَا وَهِيَ بِكْرٌ أَو نَزَلَ لَهَا بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا، وَإِذَا حَمَلَتْ وَلَمْ تَلِدْ لَمْ يَكْفِ الحَمْلُ في ثُبُوتِ اللَّبَنِ للرَّجُلِ، بَلْ لَابُدَّ مِنَ الوِلَادَةِ. اهـ.
وَقَالَ المَالِكِيَّة: يَثْبُتُ اللَّبَنُ للرَّجُلِ بِشَرْطَيْنِ:
الأَوَّلُ: أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ.
الثَّانِي: أَنْ يُنْزِلَ، فَلَو عَقَدَ عَلَيْهَا، أَو وَطِئَهَا وَلَمْ يُنْزِلْ، وَكَانَ بِهَا لَبَنٌ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ، فَإِذَا عَقَدَ على بِكْرٍ بِهَا لَبَنٌ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَرَضَعَ مِنْهَا طِفْلٌ كَانَ الطِّفْلُ ابْنَ المُرْضِعَةِ دُونَ الرَّجُلِ. اهـ.
وَكَذَلِكَ عِنْدَ الحَنَابِلَةِ.
وبناء على ذلك:
فَالزَّوْجُ لَا يُعْتَبَرُ أَبَاً لَهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَلَكِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّهَا رَبِيبَتُهُ، وَالرَّبِيبَةُ مُحَرَّمَةٌ على الزَّوْجِ بِنَصِّ الكِتَابِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾. فَهِيَ رَبِيبَتُهُ، لِأَنَّ زَوْجَتَهُ أُمُّهَا مِنَ الرَّضَاعِ. هذا، والله تعالى أعلم.
جميع الحقوق محفوظة © 2025 https://www.naasan.net/print.ph/ |